رسالة مفتوحة إلى وزير الثقافة


                                          
              النادي الثقافي أبو القاسم الشابي ضحية ما بعد الثورة

    كان منارة طيلة ستين سنة، قبلة الأدباء، كتاب القصة والرواية والنقد الأدبي، والشعراء وحتى الموسيقيين  والمسرحيين والرسامين، يجدون فيه رحابة الصدر، واتساع الرؤية، و تلاقح الأفكار والتجارب، وكان أيضا مزارا لعديد الكتاب العرب، يهرعون إليه كلما حلوا بالبلاد ضيوفا لصيته العالي الذي بلغ أقطارهم.
  السر في ذلك يكمن في أن شمعته كانت مضاءة على الدوام طيلة تلك العقود الستة، ولا تنطفئ بفضل تشبث أعضائه ضمن الهيئات المديرة المتتالية، أو  أعضاء الهيئة الموسعة وتشمل أغلب كتاب تونس.
  كان النادي الثقافي أبو القاسم الشابي محل احترام وتبجيل ورعاية من قبل حكومتي بورقيبة وبن علي، لم يبخلوا عليه بالدعم المالي وإن كان قليلا، سواء ما يتضمن تسيير النادي اليومي أو عند تنظيمه لملتقاه السنوي بالحمامات، إلى أن جاءت الثورة فنهب الهمج تجهيزاته، وتعذر تعويضها من قبل سلطة الإشراف، وبدأ العد التنازلي في توقف المعين المادي الخاص بالتسيير اليومي، وأبقي فقط على منحة سنوية لإقامة الملتقى بدعوى أن القانون الجديد للجمعيات بتاريخ 2014 لا يسمح إلا بتقديم منحة النشاط الثقافي، أما ما يتعلق بالتسيير فذلك من شأن الهيئة المديرة للنادي، التي عليها توفيره من اشتراكات الأعضاء أو من المؤسسات الخاصة.
نعلم جميعا أن فرق مسرحية، وموسيقية وفلكلورية، تنهل عشرات الملايين وبعضها مئات الملايين وخاصة في المهرجانات الصيفية من وزارة الثقافة في عروض يتيمة فاشلة ولا قيمة لها البتة فنيا، لا لشيء إلا لأن المشرفين عليها لهم الجرأة للوقوف أمام مكتب وزير الثقافة والصراخ بصوت عال للمطالبة بالدعم المالي، وأغلب الوزراء الذين تداولوا على وزارة الثقافة يخافون من حملاتهم الإعلامية، لذلك يبادرون بسرعة لتمكينهم من مطالبهم حتى لا ينالوا فيها من الوزير. لكن عندما يطالب النادي الثقافي بحد أدنى من الدعم الذي لا يفوق العشرة آلاف دينار في السنة، نواجه بالصد بتعلة أن القانون لا يسمح بذلك، أي قانون هذا الذي يزيل اعتمادا ماديا دام ستة عقود، والنادي عاجز عن توفيره، وإذا دام الحال فسيغلق هذا النادي العريق أبوابه وستكون وصمة عار في جبين الثورة وحكوماتها، نادي عريق مر به أغلب الكتاب التونسيين، يقوم بجلسة أدبية كل عشية سبت، وجلسة ممتازة كل شهر لدراسة أثر أدبي جديد، ومجلة قصص التي تصدر كل ثلاثة أشهر باعتمادات مادية محتشمة، مجلة تحدت كل صعوبات النشر وتعد أطول عمرا من المجلات المختصة في العالم العربي.
الكل يعلم أن حكومات ما بعد الثورة جاءت لتصفي حساباتها مع الثقافة، فالثقافة عدوتها اللدودة ضمن إديولوجيتها، فحاولت إصدار قوانين، في الظاهر تقنن العمل الثقافي لكن في الحقيقة تضغط عليه بقوانين تعرقل مسيرته حتى يعجز عن الصمود فيتلاشى، ونجحوا في ذلك مع النوادي الثقافية التي تحترم نفسها وغير مستعدة هيئاتها المديرة أن تنتصب أمام مكتب وزير الثقافة ـ تشحت ـ منه ما يقيم أود النادي.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فعند استفسارنا بمقر الوزارة عن مآل الطلبات العديدة لدعم النادي، نصدم باستقبال شرس من أحدهم قبل حتى أن نفتح أفواهنا بكلمة، وكأننا قد أزعجناه بحضورنا، وما إن علم بجلية الأمر حتى انطلق في استفزازات لا حد لها ولا آخر، متهما إيانا بالجهل بقوانين الجمعيات الجديد، وكان يمكن أن يقول كل ذلك بأدب وبدبلوماسية لكنه شحن ضغينة وحقدا ـ إيديولوجيا ـ على الثقافة والمثقفين، وما وظيفته تلك إلا كنسنا من أمامه، مشهد لم نر مثله في حياتي وأنا أتردد على وزارة الثقافة طيلة أربعة عقود، ولم يولد بعد هذا الموظف المتغطرس.
سيدي الوزير، هذه صرخة استغاثة من عضو هيئة النادي الثقافي أبو القاسم الشابي، لإنقاذ هذا النادي من الاندثار، للوقوف معه في محنته، بالدعم المعنوي والمالي، حتى يواصل مسيرته في إبقاء شعلة الثقافة التونسية مضاءة، وليس على سلطة الإشراف بعزيز.

تعليقات