علمه البيان

علّمه البيان                              ” وعشتُ في يوميَ الدهور “
بقلم  رياض المرزوقي 
لا أعرف الكُتّاب , ولم أدرس به يوما .
لقد عشت في الابتدائي على سور قصيرة من القرآن , لقنها لنا المعلمون بلا
تعليق , ولا شرح , فكانت كالمحفوظات , نحفظها ” شربة ماء ” , ونرددها
كالببغاء .
وذات يوم , رافقت أبناء خالي إلى الكتّاب , وجلست على الحصير , وسمعت
المؤدّب يقرأ برتابة , والأطفال يرددون , فهفت روحي لما كنت أسمع .
لم أنزعج من صوت المؤدب البشع , ولا تنغيمه الآكل للحروف , لأنني
خرجت فجأة من عالمي إلى أكوان أفسح من الأقطار , ولامست الكواكب والأقمار ,
وطفت الجزر والبحار .
لقد سمعت سورة ( الرحمن ) , وتعلقت بها كما يعشق المرء للمرّة الأولى .
وعدت إلى البيت , ففتحت المصحف , وقرأت ,
ولم أتوقف عن القراءة , لأسابيع , بل شهور , حتى استكملت قراءة الكتاب
حرفا حرفا , وفاصلة فاصلة .
إن القرآن أجمل من أن يقرأ في الكتّاب , أو فصول المدارس .
 ومرت الأيام , وسمعت قرّاء عديدين في الإذاعة , والمواكب , والمآتم , لكني
لم أحسّ كما أحسست يوم سمعت سورة ( الرحمن ) لأول مرة .
لقد أخذت روحي غرة , واختطفت , وكأني بها ارتقت إلى سماء أرفع من كل سماء ,
ثم عرتها كالهزة , فانتفض كياني , وما بقيت أحسّ بغير دفق الكلمات


ووقع الحروف  , أو أشعر بما يشعر به الناس من فرح , أو حزن .
لقد ساهمت تلك اللحظة في عشقي للغة , وانشغالي بالكتابة .


تعليقات