من نافذتي

من نافذتي                         " في القلب شوق أحمر     في الجفن حلم أخضر " 

بقلم   رياض المرزوقي

كتب محمد المرزوقي جملة من المقالات في صحيفة ( النهضة ) عنونها ( من نافذتي )
وعالج فيها قضايا اجتماعية مختلفة .
وأنا أعرف النافذة التي أطلّ منها على مجتمع الناس حقيقة لا مجازا .
ولدت في شقّة تقع بالطابق الأول من عمارة في نهج ( سيدي علي عزوز ) بالعاصمة ,
وهي شقة ضيقة , لو سكنت فيها اليوم لشعرت بالاختناق . لكن فيها شرفة تطلّ على
الشارع , وبمواجهتها مقهي يعجّ بالرواد .
ولا أعتقد أنني مخطيء إن زعمت أن هذه الشرفة هي نافذة المرزوقي .
لقد كانت هذه الشرفة مرقبي الأول في عالم البشر , وأذكر إطلالي على  
المارة , وقطعان الماعز التي تنتصب كل مساء بساحة تحاذي البيت .
وإذا كان هذا النهج يذكرني اليوم بزقاق المدق الذي يشبهة محفوظ " بالمصيدة " ,
فلقد كان آنذاك منفذا للعالم الفسيح الذي كنت مولعا بالإطلال عليه , متخوفا في
الآن منه ( وللعلم فإني قريب مما يعرفه علماء النفس وأطباؤها باللا اجتماعي , فأنا
منغلق على نفسي , قليل الارتياح في المجتمع , لا أشعر بالراحة إلا في العزلة
والانفراد ) .
لقد تعلقت بهذه الشرفة , لأنها تمكنني من العيش مع الناس , دون الاختلاط بهم .
ولما كبرت , وجدت بيني والمعري صلات , منها هذه , والمعري قريب من والدي ,
كما هو قريب مني .
إنني لم أشعر بالسعادة منذ انتصابي بهذه الشرفة , وقد اضطررت إلى مغادرتها
بعد سنوات , وأجبرت خاصة على الالتحاق بالمدرسة , وهي مجتمع مصغّر

عانيت منه الكثير , قلت , لم أشعر بالسعادة إلا يوم دخلت الصحراء بعد وفاة
والدي , وأنا قد تجاوزت سن الثلاثين .
وأصارحكم أنني أمر اليوم بنهج ( سيدي علي عزوز ) , فلا أحس بأنه يعني
لي شيئا , فلقد فقدت الكثير يوم غادرت تلك الشرفة !






تعليقات