معرض استيعادي ضخم في دار الفنون

معرض استيعادي ضخم في دار الفنون

اقام الأستاذ  الفنان القدير اسماعيل بن فرج معرضا استيعاديا لتجربته التشكيلية بدار الفنون بالبلفدير  احتوى مايزيد عن ال200 لوحة المختلفة الاحجام والتقنيات والحوامل  التي تعكس مسيرة الرجل منذ عام 1960 تاريخ حصوله على ديبلوم التخرج من مدرسة الفنون الجميلة بتونس في عهدها الزاهر
اسماعيل بن فرج فنان متكامل متعدد وان صحت العبارة فهو المتعدد في شخص واحد : رسام ، نحات ، فسيفسائي ، خزاف ، مهندس ديكور ، مهندس داخلي..مارس تدريس الفن هو بكل بساطة من اخر ديناصورات الفن ببلادنا
تتجول في ارجاء معرضه الاستيعادي الذي تفرقت لوحاته بين القاعة السفلى والقاعة العليا اضافة الى الفضاء الخارجي الموسوم بالهنقار وقد اكتظت اللوحات في كل هذه القاعات الى درجة تجعلك تقف مبهوتا امام منجز الرجل
اعمال الفنان الشامل اسماعيل بن فرج تسفر عن نوع من الفنانين فقدتهم تونس وهم الجيل الذي يحذق فن الرسم لان الطاغي اليوم هو التجريد او مايطلق عليه تجريدا اذ يولد الفنان في ايامنا هذه تجريديا منذ محاولاته الاولى والحال ان التجريد هو مرحلة يفترض الا يدركها الفنان الى الا في مرحلة متاخرة من حياته او لنقل بعد ان يثبت قدرته على الرسم
فنانو اليوم يدهنون ويطلون الفراغات بالالوان الزاهية والداكنة ويحسبون خربشاتهم فنا وابداعا ؟
معرض اسماعيل بن فرج درس لهؤلاء حتى يتخذوا مسافة بينهم وبين مايوهمون به خلق الله انه فن والحال أنه ليس من الفن في شيء

لوحات الفنان القدير اسماعيل بن فرج تجعلك تتصالح مع الفن التشكيلي وتدرك ان في هذا الكم الهائل من الفوضى والرداءة هناك تجارب راقية تتجاوز المالوف وتؤكد قدرة بعض الرجال على الاتيان باعمال مدهشة والدهشة هي بداية التفلسف
لابد من اعمال العقل والبحث عن المرجعية الجمالية وانت تقف امام عمل فني فتستدعي رغما عنك ودون شعور منك فهمك للجميل le beau
ان المعرض عكس اهتمامات الرجل الذي نزع الى التشخيص  مزاوجا بين الرسم والتصوير وفيا للمقاييس التقليدية التي رسم وفقها المعلمين الكبار من حيث اتخاذ المسافة الفاصلة بين اجزاء الجسم الراس والرقبة والصدر واليدين والجذع والارداف والافخاذ والساقين ...وبذلك تظفر برسم يذكرك بعهد النهضة في رسم الشخوص ويضفي الفنان على تلك الرسوم الوانا تخرجها من حالة الفراغ والسلبية الى حالة الامتلاء والايجابية وهنا يستعمل من موروثه الجمالي وثقافته وحضارته فتلاحظ الزخرفة التي تذكرك بالارابيسك الناتج عن موروث ثقافي وخلفية حضارية
المزاوجة بين الثقافتين العربية والغربية تشعر بها في لوحات الدينصور اسماعيل بن فرج ويحلو لي ان استعمل عبارة الدينصور لان هذا الرجل قل نظيره بين فناني التشكيل في بلادنا
لقد استفاد الاستاذ اسماعيل بن فرج من تعدد اختصاصاته وانعكست كلها على اعماله الابداعية التي تذكرك بالزمن الجميل 
هذا لا يعني ان اللوحات لا تعكس خلفية معرفية او موقفا انطولوجيا بل هي على ااعكس تماما غارقة في دهشة العالم ناشدة الاكتظاظ رفضا للوحدة باحثة عن الاستقرار نفيا  للوحدة
تذكر انك امام معرض استيعادي  يعكس محطات مر بها الرجل ولا غرو ان تجده قد تاثر احيانا بلمسات المعلمين الكبار كبوتيرو مثلا فذلك لا يعد نقيصة الا اذا استغرق فيها صاحبنا ولم يقدر على تجاوزها ولكن اسماعيل بن فرج هضم تلك التجارب  وتجاوزها لانجاز عمل يدل عليه
لا يسعني في النهاية الا تسجيل استغرابي من اساتذة مدرسة الفنون الجميلة وطلبتهم عن الغياب الملحوظ لاكتشاف تجربة تونسية كبرى والتعرف على احد كبار الرسامين في بلادنا والا لم جعلت هذه المعارض ولمن تعرض ان  مان المعنيون بها لا يعنيهم امرها ؟
نسجل هذا في سجل سيئات  هؤلاء ونمر
ونقول ان معرض اسماعيل بن فرج اضافة حقيقة للمشهد التشكيلي ببلادنا وزيارته فرض عين لا فرض كفاية

تعليقات