ماذا لو انهارت الدولة؟

ماذا لو انهارت الدولة

قال بعض الساسة في وسائل الإعلام إثر التحوير الوزاري الأخير إن هذه آخر فرصة لإنقاذ البلاد من كبوتها، ولعل القليل فقط يعلمون ما الذي سيقع لو دام فشل الحكومات إلى ما لا نهاية.
  قد لا يتصور المواطن الذي لم يترب إلا على الطلب دون عطاء منه للبلد، ما الذي يحدث لو انهارت الدولة، لو سقط الكيان، بعد أن ضن عليه شعبه بالتضحية لترميم ميزانيته، وأفلحوا في عدم العمل، وركزوا على الإضرابات والإعتصامات والزيادات في الأجور، وتعبيد الطرقات، وتحسين المرافق العامة ،ولتحقيق ذلك أوقفوا منابع الفسفاط والنفط والغاز.
ماذا يحصل لو عجزت الدولة عن دفع الأجور، وجرايات التقاعد، بعد أن سدت في وجهها كل منابع الإقتراض والإعانات والهبات والتسول و ـ المساسية ـ وتوقفت المرافق العامة عن آداء واجبها.
الذي سيحدث الآتي:
سوف تغلق كل المرافق العامة، فلا أمن ولا جيش، ولا إدارات ولا مؤسسات عامة وخاصة، فقط الهمج سيملؤون الفضاءات بالنهب والسرقة والتخريب، و لن يقف أمامهم أحد فلن يجابهوا بالرصاص ولن يمنحوا وسام الشهادة، فيصبح كل شيء مشاعا بينهم ـ الأملاك، القصور، والدور، والأكواخ، والسيارات، والأراضي الفلاحية، مقرات أملاك الدولة من أراضي فلاحية ومقرات وزارات وبلديات وولايات ومعتمديات ومقرات أمنية وثكنات.
  سيفقد هذا المواطن الجشع ملكيته لأي شيء، فستصبح زوجته وبناته ملكا مشاعا للهمج، ولن يقدر على الدفاع عن عرضه وماله الذي في البيت وفي جيبه، حتى الأرصدة البنكية ستتبخر، فلا بنك مركزي ولا بنوك الذي سيتم نهبها، ولن يأمن على نفسه طرفة عين حتى لو أغلق على نفسه في بيته بالأبواب الحديدية المصفحة، سيجوع ولن يجد رغيفا لأن كل شيء قد نهب وكل فضاءات التموين قد سرقت وخربت.
  ستخرب المصانع وتنهب، وتقطع الأشجار من جذوعها، ويتوقف التيار الكهربائي، والغاز وتدفق المياه. وتتعفن البلاد جراء المزابل التي لا تنقل ومياه الصرف الصحي التي ستتوقف.
ستتكون العصابات والأقوى منها لها الغلبة والهيمنة، ولن تأمن على نفسك حتى من أقرب الناس إليك.
ستغلق المستشفيات ويفقد الدواء فتتعكر صحة مئات الآلاف حد الموت.
هذه السلاسل من النزل ستنهب ويسكنها الهمج.
لا تدفن رأسك أيها المواطن الأناني في الرمال أو بين فخذيك، فهذا ما سيحصل ، وعندها سوف تتمنى لو أعطيت نصف جرايتك إلى الدولة حتى لا يسقط النظام، ستتمنى أن تعمل عشر ساعات دون كلل ولا ملل حتى لا يسقط النظام، وتتمنى لو قطعت إحدى أطرافك ولم توقف دواليب الدولة بالمطالبات المجحفة التي تفوق طاقتها، وتتمنى لو وضعت كل النقابيين في السجن لأنهم هم من شجعوك على عدم الصبر على الدولة وعلى المؤسسات الخاصة وهي تعاني الأمرين لتمكينك من جرايتك.
وسيتمنى الموظف السامي لو لم يمنح سيارة إدارية وأربعمائة لتر محروقات ولهرول إلى العمل بواسطة النقل العمومي أو على رجليه، ولما أرهق خزينة الدولة بآلاف المليارات.
وسيتمنى الذين قضوا أشهرا أمام الوزارات والولايات من أصحاب الشهائد مطالبين بالتشغيل لو عمل سقاء مقابل كسرة خبز وجرعة ماء وما تسبب في سقوط كيان الدولة.
وسيتمنى الذين عرضوا الحوض المنجمي ومنابع البترول والغاز إلى التوقف عن النشاط  لو عملوا حراسا بالمجان لهذه المؤسسات.
لكن ذلك لن يجدي نفعا، لأن الأوان قد فات،لأنك لم تحافظ على بلادك ومصادر ثرواتها، ونظامك ومؤسساتك ومرافقك العامة، رغم أنك كنت على علم بما يقع لجارتنا ليبيا لما سقط النظام فيها.
ولن تجد مخرجا، فلن تستطيع الهرب كما حصل لإخواننا الليبيين،  فالبحر ييحيط بنا من الشمال والشرق، وليبيا لن تقبلك لأنها تمر بنفس المحنة، بقي لك الجزائر، فهل هي قادرة على قبولنا 5 ملايين لاجئ.
أيها المواطن، الساسة ورجال الأموال ـ يشمونها عن بعد ـ سيهربون بأموالهم إلى الخارج ويتركوك تلعق الخراب.
وإذا حصل كل هذا ستقرر الأمم المتحدة وصاية على البلاد، وستنزل قوات أممية، لتأمين أمن نسبي بالبلاد وتدير بعض المرافق ليس حبا فينا، بل حتى لا نتسبب لجيراننا والضفة المقابلة للبحر الأبيض المتوسط بأزمات هي في غنى عنها من نزوح جماعي، إضافة ما سيحصل من تفريخ الإرهاب والجريمة، وسيجد ملايين الموظفين والعمال أنفسهم في البطالة، ولن يتقاضى الذين سيبقون في مناصبهم إلا نصف الجراية التي كانوا يتقاضونها قبل الكارثة وسأخذون ثرواتنا الطبيعية بتراب الفلوس.
الفرصة لا تزال سانحة للنجاة بالتكتل مع حكومتنا والعمل ولا شيء غير العمل، والقطع مع الطلبات التعجيزية، وخاصة الزيادة في الأجور التي ستقسم ظهر خزينتنا، وتزيد فيمديونيتنا وعدم إيقاف دواليب منابع الثروات من فسفاط ونفط وغيره.
هذه ليست نظرة متشائمة لما قد يحصل، لكن هذا ما سيقع عندما نواصل ظلمنا لأنفسنا، ولكم الإختيار إما إنقاذ البلاد أو الهروب إلى الأمام ودفن رؤوسنا في الزبالة التي أصبحت ترى أكثر من أي شيء آخر.
                                      الناصر التومي

تعليقات