خبايا الزوايا


علامات                          بقلم رياض المرزوقي
**************************************************** 
( العلامات روح الطريق )

*********************


28 - خبايا الزوايا                         ( كم في الزوايا من الخبايا ! ) ( شيخ أزهري )

لولا أنني توجهت إلى دراسة العربية , لكنت مؤرّخا , فأنا أعشق التاريخ , وأدمن
على مطالعة كتبه . ولعلّ علماء النفس يفسّرون ذلك بالنزوع إلى الماضي , ورفض
الحاضر , وهي نزعة منتشرة عند الكثير من الناس غير الراضين عن حياتهم .
لكني من المؤمنين بعدم خطيّة الزمان . وأن الماضي , والحاضر , وحتى المستقبل
شبه حلقة , تعود مرارا وتكرارا إلى بدايتها , وتكاد تكون بلا نهاية .
وفي التاريخ حيوات , ومسارات , يمكن لأيّ شخص تقمّصها , فيكون كالممثّل
يلبس لباسا جديدا , ويعيش حياة الآخرين لفسحة من الزمن قبل أن يعود إلى
واقعه اليومي .
والتاريخ الذي أهتم به ليس تاريخ الأحداث , أو الملوك والسلاطين , وإنما
كواليس المجتمعات , وجوانبها الغائبة , حتى السوداء منها , وهي جوانب
يتحاشاها " المؤرّخون " تحاشي السليم للوباء .
فصورة ( هارون الرشيد ) مثلا متألقة , تبهر الأنظار , لكن بعض أبيات
لأبي العتاهية كافية لقلب الصورة
( إني أرى الأسعار أسعار الرعيّة غاليه
وأرى المكاسب نزرة    وأرى الضرورة فاشيه
وأرى اليتامى والأرامل في البيوت الخاليه .. )
وقد أفاض المؤرخون الحسينيون في مدح حلم ابني حسين بن علي عند
انتصارهما على أعدائهم الباشية , والعفو عنهم , والإحسان إليهم , بينما
يكذب هذا ديوان الورغي , ويكذبه جمع غير معروف لديوان الرشيد باي

عنوانه ( الدر النضيد ) أفاض بالعكس في بيان تعذيب الباشية , والتشفي
منهم .
إنني مغرم بأمثال هذه الخبايا التي تغير التاريخ الرسمي , وتقلبه رأسا
على عقب .
وفي التاريخ نصيب من الأساطير حول مواضع شبه خيالية , وشخصيات
ذات هالة خرافية , أغرمت بها منذ صباي , وتتبعتها , وجمعت أخبارها
كمدينة النحاس , أو جزر واق الواق , أو سد ذي القرنين , أو سيف بن ذي يزن ,
ولعلي في النهاية أحب في التاريخ القصص التي يرويها , والتي أحلم معها ,
أكثر مما أحبّ الأحداث الجافة التي ترويها كتب التاريخ " الرسمية " .



تعليقات