الاسناذ ساسي بن حليمة المتهم بالتحرش : من يريد خلط اوراق القضية؟

الأستاذ ساسي بن حليمة المتهم "بالتحرش " : " من يريد خلط أوراق القضية ؟

بقلم : عبد السلام الككلي

ككل أحد قرأت اليوم جريدة الصباح وذهبت كالعادة مباشرة الى ركن المنتدى وهو ركن اسبوعي في الجريدة لا تنشره في صيغتها الرقمية ويحتوي مقالات راي لجامعيين ومثقفين معروفين عادة . وجدت في هذا الركن مقالا مطولا للأستاذ ساسي بن حليمة الذي كثر الحديث عنه في الأيام الاخيرة في صلة باتهامات بالتحرش الجنسي صدرت عن طالبات وحتى استاذات بكلية الحقوق ضده في شكل تدوينات وحتى شهادات مسجلة مسموعة تسرد  » أحداثا  » تعود الى فترات متباعدة منها ما يعود الى التسعينات من القرن الماضي حين كان الأستاذ لا يزال مباشرا وحتى الى زمن قريب اذ ان الرجل حسبما يبدو ظل يتردد على الكلية وهو متقاعد . نأتي الان الى جوهر الموضوع وهو المقال الذي قراته اليوم لبن حليمة  » بعنوان  » رسالة مضمونة الوصول الى رئيس الجمهورية  » موضوع المقال هو قضية المساواة بين المرأة والرجل وقضية زواج المسلمة بغير المسلم ….لدي ملاحظات أولية حول هذا المقال :
1المقال قديم نسبيا وهو امر من السهل استنتاجه من خلال نقد داخلي للنص فالاستاذ لا يزال يناقش مسالة زواج المسلمة بغير المسلم دون اية إشارة للاجراء الذي اتخذه وزير العدل منذ اكثر من شهر بإلغاء المنشور عدد 73 وهو ما يعني منطقيا ان المقال كتب مباشرة بعد خطاب الرئيس في 13 اوت الماضي بمناسبة عيد المرأة الوطني وقبل اتخاذ اجراء الغاء المنشور المذكور. فما الذي يستدعي نشره او ربما إعادة نشره، لأنه ولئن لم يتسن لنا ان نرى المقال قبل اليوم الا اننا وجدنا إشارات لدى بعض الأصدقاء المدافعين على الاستاذ تؤكد على ارتباط صحيح او كاذب بين الحملة التي تشن ضده وموقفه من قضية المساواة وهو ما يعني انهم اطلعوا على رايه قبل ما نشره اليوم . وقد يكون المدافعون استندوا في هذه الربط الى بعض ما ورد في المقال نفسه . فكيف ذلك ؟
2المقال يتجه رأسا الى رئيس الجمهورية أولا من خلال العنوان  » رسالة مضمونة الوصول الى رئيس الجمهورية  » بل أكثر من ذلك فهو يتضمن تكفيرا ضمنيا لشخص الرئيس لنتوقف لشرح ما نقول عند هذه الجملة ولنتبين ايضا حقيقة الامر. يقول بن حليمة  » المترشح للانتخابات مهما كانت بلدية او تشريعية او من باب أولى رئاسية له مصلحة بينة في كسب الأصوات . لكن بماذا تكسب الأصوات ؟ بالكفاءة وقوة الشخصية والاقتدار على القيام بشؤون الامة . فهل ان المساواة في الإرث هي من قبيل ذلك ؟ لا وكلا بل يرى البعض ( هل الأستاذ من ضمن هذا البعض ؟) بانها من قبيل الكفر الثابت  » هذا ما يقول الأستاذ حرفيا وهو بلا شك يتضمن اتهاما ضمنيا على الاقل كما يلاحظ قارئنا لرئيس الجمهورية بالكفر الثابت

لقد اثار فينا هذا المقال مجموعة من الأسئلة :

1 لماذ اختار الأستاذ وفي جريدة الصباح واسعة الانتشار و التي كانت منذ ثلاثين سنة وربما اكثر منبره المفضل لنشر مقالاته في مادة الأحوال الشخصية وهو من أبرز المتخصصين فيها سواء بعرض مسائل نظرية تهم الاختصاص او بالتعليق على قرارات تعقيببة مرتبطة بقضايا منشورة امام المحاكم ( كنت متابعا دائما لمقالات الرجل منذ كنت طالبا في السبعينات وخاصة لتعليقاته على قرارات محكمة التعقيب في الغرض رغم احترازي الدائم حول الخلفية الايديولوجية التي تحركه في ما يكتبه ) اذن لماذا اختار ان يكتب الان في قضية المساواة او بالأحرى لما اختار ان يعيد نشر مقال من الأكيد انه كتب في شهر اوت . الإجابة هنا سهلة بلا شك ولا تحتاج الى ذكاء كبير وهو الايحاء بان الحملة التي تشن ضده هي حملة مدبرة سببها بالضبط هذا المقال بالذات . ومن قبل السلطة
2 بعض ما قراته حول موضوع  » تحرش الأستاذ  » كان بين ادانة صريحة ومطالبة بمنع الأستاذ من دخول الكلية وربما اكثر أي ملاحقته جزائيا و بين مدافع مستميت عنه . لا يهمنا هنا ان نتبنى أي موقف من الموضوع فليس هذا غرضنا من كتابة هذه الورقة ولكن ما استرعى انتباهنا في بعض الكتابات الصادرة عن طلبة قدامى في كلية الحقوق صاروا اليوم محامين وخاصة قضاة انها تنزه الأستاذ تماما من تهمة التحرش وترجع أسباب الحملة ضده بالضبط الى موقفه من المساواة في معارضة تامة لرئيس الجمهورية وصلت كما بيننا من خلال الشاهد المنتزع من المقال الى حد تكفيره .وهو ما يرشح المسالة الى التحول من قضية مجتمعية تتعلق بالتحرش الى قضية سياسية مرتبطة بتصفية حسابات مع المعارضين لمواقف السلطة عموما وهو ما يوحي بان هناك ارادة لتحريك حملة مساندة للأستاذ ضد حملة ادانة له لنسقط من جديد في الصراع القديم المتجدد بين علمانيين حداثيين واسلاميين او مدافعين عن هويتنا في بعدها الديني .هل يكون من أغراض مقال اليوم تغذية هذه الحملة المناصره له ؟
3من الغريب ان يعبر قاض محمول على الحياد عن رايه وينتصر صراحة وبحماس شديد للأستاذ المتهم دون أي احتراز وتحفظ او العكس( (نمتنع عن ذكر أسماء من شاركوا في الدفاع عن الأستاذ او ادانته ) الا اذا كان المقصود كما قلنا تحريك حملة ضد حملة .وذلك دون بدايات او خواتم بحث اداري او قضائي
4بقطع النظر عن وجود حملة من السلطة ضد الأستاذ مدبرة او عدم وجودها ، وصرف النظر عن صحة الاتهامات الصادرة ضده من عدمها فان المحزن حقا في قضايا التحرش المعروفة في كل البلدان وفي كل الأوساط حيث تتوفر للبعض السلطة والنفوذ للوصول الى اغراضهم انها تأخذ هذا المنحى السياسي الذي يدعمه البعض دون أي احتراز …الحكاية وما فيها ان قضايا التحرش عندما  » تتورط  » فيها شخصيات عامة ذات تأثير سياسي او فكري مثل الأستاذ بن حليمة وفي ظل صعوبة اثبات الأفعال المرتبطة بالهرسلة يتحول فيها المتهم الى ضحية ذلك افضل شكل من اشكال الدفاع . فاقصر طريق لإسكات كل الأصوات المناوئة للمتهم برميه بالتحرش هو الاشارة حقا او باطلا الى جوقة تقودها يد السطلة ضد خصومها الذين لم تقدر على اسكاتهم صراحة فاختارت ان تسكتهم « بافواه النساء  » على حد ما يريد البعض قوله . هكذا تضيع او تكاد كل القضايا العادلة لدينا وربما لدى غيرنا في حمّى السياسة وصراعات الهويات التي تعصف بمجتمعنا اليوم

تعليقات