صوت من الصحراء


علامات   12                               بقلم رياض المرزوقي

***
( العلامات روح الطريق )
                                              *** 


39 - صوت من الصحراء                       " شفة قد جفّت عطشا , ودم كالبركان الأغبر
                                                                            يتفجّر , يتفجّر , يتفجّر ... " ر.م

كنت , ومازلت , أفضّل الموسيقى البحت على الأغنية , فالموسيقى تمنحك الحريّة في
الانطلاق معها إلى الأجواء التي تختار , ولا تفرض عليك , مثل الأغنية , أن تنحبس
في إطار اللغة التي تعبّر عنها الكلمات , واللغة سجن كبير !
شربت منذ الصغر جرعات الأغاني التي يبثّها المذياع , ولم أمتلك , قبل كهولتي
جهاز اسطوانات , ولا مسجّلة .
أما الموسيقى الكلاسيكية فلم أكن أعرف منها إلا بعض المشهور .
كبرت , وأصبحت لي الحرية في اختيار ما أسمع , فأقبلت عليها بنهم المحروم .
كنت أستمع إلى بتهوفن , واسماعيل الحطاب في الآن .
وهذا الأمر نفسه حصل لي في المطالعة , فأنا أقرأ - تقريبا - كل شيء .
والحق, أنني توقفت بعد غرقي في مهرجان الأغنية السنة تلو السنة لمدة عقد
كامل من السنين , وبعد إدارة الإذاعة التي أجبرتني على سماع الكثير مما
لا أرغب في سماعه , توقفت عن الاستماع للأغاني بصورة شبه كاملة ,
واقتصرت على الكلاسيكي , ومن حين إلى حين أم كلثوم , وعبد الوهاب .
أصابتني التخمة , فقررت التخلص منها , ولعلني كالمدخن المحاول للانقطاع
أجد صعوبة كبرى في التخلص من آثار النيكوتين .
في التسعينات , كنت على أسوء حال , فاكتشفت بفضل الصديق نور الدين
بالطيب مؤديا ليس كالآخرين , وأغاني لا تشبه في شيء ما يطلبه المستمعون ,
كنت أجهل حتى وجود هذا المغنّي رغم أنه من ( دوز ) , وعرفته , في البداية , عن

طريق الكاسيت ( رديئة التسجيل أحيانا ) قبل أن يكتسح الانترنت .
ثمّ , صادف أن استمعت إليه في حفلة , وكانت رديئة معدات الصوت أيضا ,
في أحد نزل دوز .
إنه ( بلقاسم بو قنة ) الصوت القادم من الصحراء .
أخشى أن أخجله , والرجل على قدر كبير من الحياء , والانطواء , لكنه
بالفعل كان بالنسبة إليّ اكتشافا مذهلا .
وهنا , أحببت الكلمات في الأغاني , كما أحببت صوت المؤدي .
تعلمون أكبر أمانيّ ؟
أتمنى أن يغني ( بو قنّة ) من كلماتي , لا أغنية عادية من أغاني هذا الزمان ,
ولكن نصّ صلد يضارع ما غناه للبرغوثي , أو بو خفّ .
ولا أخفي أني أنظم منذ سنوات في ما ينعت بالشعبي , ولكني لم أنشر منه شيئا ,
ولم أطلع عليه أحدا , ربّما لأنني أعتبره خاصّا بي , فهو يخفي غراما مستحيلا
بصحراء أحلم بها !
 
                                                                            

تعليقات