في ذكرى رحيل محمد شكري نص بقلم سعيدة البراهمي

محمد شكري بين مجد ولعنة
"الخبز الحافي " يشق طريقه في "زمن الأخطاء " ليرى ذاته في كلّ "الوجوه"
 
لئن ولد الكاتب المغربي محمد شكري في أسوأ الفترات التي كان يمرّ بها المغرب من جوع وجهل و فقر مدقع حيث نجا بأعجوبة من المجاعة التي اجتاحت المغرب سنة  1948فقد رحل مثل العظماء في الخامس عشر من شهر نوفمبر سنة 2003 "أمير الصّعاليك يرحل بهيبة الملوك" كما قال عنه الكاتب السعودي عبد الرحمان منيف.
فمن الجهل من الأمية و من تحت انقاض العالم السفلي يحدث محمد شكري مفارقة في عالم الرواية العربية
قام الكاتب المغربي بتأليف العديد من الكتب كانت بمثابة سيرة ذاتية مثلت أساس تجربته فشكلت أدبا يعبّر عن يوميات اتسمت بالتشرد و الضياع أبرزها "زمن الأخطاء" و هي الجزء الثاني من سيرته الذاتية "وجوه" القسم الثالث منها "الخيمة" وهي مجموعة قصص و قد استوحاها من حضور صديقه عبدون فروسو الذي قال عنه " البطل الحقيقي الذي أيقظ مخيلتي و أعانني على تحمل القهر و الحرمان و عنف الصراع الجسدي ".
كتب يوميات عن الكاتب الأمريكي بول بولز "بول بولز و عزلة طنجة"
أيضا كتب عن الكاتب الفرنسي جان جنيه الذي كان له أبا روحيا " مجنون الورد " "السوق الداخلي" "غواية الشحرور الأبيض " غير أنه ابرز ما كتبه محمد شكري رواية "الخبز الحافي" و هي الجزء الأول من سيرته الذاتية التي تعدّ مفارقة في عالم الرواية العربية
قام بترجمتها الكاتب الأمريكي بول بولز سنة 1973
« For Bread Alone »
و قام الطاهر بن جلون إلى ترجمتها إلى الفرنسية سنة 1981
« Le pain nu »
عندما صدرت الترجمة الاسبانية لرواية الخبز الحافي كتب خوان غويتيسولو أن هذه الرواية تشكل "أوّل سيرة بيوغرافية عربية صريحة وحقيقية".
ولد محمد شكري سنة 1935 بالمغرب بقرية نائية “ايت شيكر” حيث الجوع والقحط وقد قامت عائلته بالنزوح هربا من المجاعة التي اجتاحت المغرب سنة 1948 بحثا عن الخبز ليستقر في طنجة، المدينة ذات التفافات العديدة والمكان الوحيد الذي رفض أن يغادره وأخلص له، ثم تحط رحاله بتطوان مع والديه وأخيه الكبير عبد القادر.
عاش محمد شكري طفولة قاسية جدا عاش الجوع والتشرد كان والده وحشا كما يسميه هو "ان ابي وحش عندما يدخل لا حركة لا كلمة الا بإذنه كما هو كل شيء لا يحدث الا بإذن الله " حيت قام بقتل أخيه عبد القادر في يوم اجتاحته نوبة غضب "وحش مجنون امنعوه يلوي اللعين عنقه بعنف اخي يتلوى الدم يتدفق من فمه ".

كان يضرب محمد شكري ضربا مبرحا ويعلقه في الشجرة "رفعني في الهواء خبطني على الأرض ركلني حتى تعبت رجلاه وتبلل سروالي "
كل تلك الوحشية والقسوة اللامتناهية التي مارسها والده عليه تركت في نفس محمد شكري أوجاعا وندوبا «كلمات واستيهامات وندوبا لا يلئمها القول "
وبين ميولاته الانعزالية يجد محمد شكري ضالته في عزلة الذات في مستشفى الامراض النفسية " افقت حوالي الثانية صباحا في حجرة مع مريضين عزلة اشتقت اليها "- زمن الأخطاء.-
ففي الرسائل المتبادلة بين شكري من المصحة النفسية وبين الناقد المغربي محمد برادة يقول شكري " يخيل إلي انني عشت دهرا في الحقيقة أنا لم أبدء بعد عزلة الكتاب الحقيقيين ان بدأتها فربما لن اخرج منها على الاطلاق أتمنى ذلك ".
ويقول في رسالة أخرى من المصحة " الإحساس بالكتابة بدأ يغزوني في هذا المكان عندما اخرج سأحاول ان اغير حياتي " فيرد محمد برادة " ليس مطلوبا منك ان تغير حياتك وانما ان تكتب حياتك "
وقد عبر محمد شكري في آخر حواراته الصحفية التي قام بإجرائها الصحفي التونسي كمال قرار في جريدة
« Le temps »  (Aout 2003)
عن رأيه في العديد من الأدباء و الكتاب حيث كان شديد الانفعال عن الأدباء الذين كما اسماهم " المصابين بالإسهال الادبي " امثال نجيب محفوظ إذ يقول " لا أريد ان أكون بالزاك او حنا مينا " " يجب ان تكون هناك فترة من الزمن بين كتابة كتاب و أخر " حيث يصنف نفسه ضمن الأدباء و الشعراء الذين كتبوا كتابا او اثنين او اكثر مثل مالارمي و رامبو الا انه كان شديد الاعجاب بالشاعر التونسي أبو القاسم الشابي و الكاتب التونسي محمود المسعدي و " الكبير" علي الدوعاجي كما اسماه.
لقد عاش محمد شكري لحظات قاسية و صعبة للغاية في مختلف مراحل حياته قبل ان يذيع صيته اذ ادرك ان الكتابة سلطة و تميز و لقد أراد من خلال كتابته ان يفضح كل من قام بسرقة أحلامه الموؤودة.
فالمبدع الذي غادر دنيانا عرف كيف يسلك طريق الشهرة و النجاح العالمي رغم الحرمان و التشرد و قساوة العيش..
إنه محمد شكري بأسلوبه المتميز قوّة الإرادة استثناء لا يتكرر..

سعيدة البراهمي
تونس – نوفمبر 2017 

تعليقات

  1. شكري لم يمت بعد روحه مازالت تتصعلك في ازقة طنجة مازالت تتنقل كجرو ضائع في السوق الداخل ))))

    ردحذف

إرسال تعليق