المرزوقي من جديد

علامات   
                         بقلم رياض المرزوقي
************************************

57 - المرزوقي من جديد                         " أبوك امرؤ من رجال الكلام
                                                                                          فكن أنت يا ابني امرأً عمليّا "
                                                                                                                  ( محمود غنيم )

رغم اعتزامي الصمت , والتفرّغ للكتابة , فإن بعض الدعوات مما أعجز ( أو أخجل )
من ردّها . والحقّ , أنني أحاول منذ سنوات أن أقنع الجميع بعدم دعوتي إلى المنابر
وتركي مع المحابر , ولكن دون جدوى .
ألقيت منذ أيام مداخلة حول ( المرزوقي والشعر الشعبي ) في المكتبة متعددة الوسائط
بأريانة . وبقدر ما شعرت بعودة الحماسة القديمة , تلك التي جعلتني في شبابي أجوب
البلاد التونسية للمساهمة في الملتقيات المختلفة التي كانت تبعث الحياة في الجهات ,
ومنها ملتقى ابن أبي الضياف , وملتقى مصباح الجربوع , وملتقى علي بن غذاهم ,
وملتقى الطاهر الحداد ... شعرت بالإرهاق الشديد , وأن زمن المشاركة قد ولى .
وعلى الرغم من حضور نخبة من المثقفين , وثراء المناقشات , وابتهاجي بلقاء
وجوه من ماضيّ , ووجوه من الشباب الواعد , بلغت آخر الجلسة وفي نفسي
إحساس الرياضيّ المصاب بالتصلب قبل بلوغه خط النهاية .
إن السنوات التي عشتها منذ وفاة المرزوقي في أول الثمانينات علمتني أن
أصوم عن الكلام , وليس ذلك بسبب ما أصابني من بعض الناس , وأثقل كاهلي
وحجّر كياني ,  ولا بسبب عجزي عن المشاركة والإضافة , وإنما ثبت عندي
أن الحرف المكتوب أفضل وأبقى من المنطوق , وأن الناس يسمعون منك ما
يرغبون في سماعه , ويضربون صفحا عما تقول , أو تعني .
لذا أرجو أن أترك مع أوراقي , فهي أصدق , وأكثر فهما من أكثر السامعين .
لا يغلبني الحنين ولا الندم , وليس من عادتي النظر إلى الوراء ( وقد تجاوزت
عمر الرومانسية ) , ولكني أرغب حقّا في أن أعيش كما أردت أن أعيش دائما
في مكتبتي , بين أوراق شعري
" يقال عن المشاعر باقيات       ولو ضاع الحبيب ومن نحب
ويزعم ان حبا شاعريا          يخلد بعد مصرع من احبوا
وعالمنا الحديث بلا شعور      وليس بجانحيه يعيش قلب   
نسيت الامس حتى ضاع مني   وبددت الشعور فلست اصبو
ولو كان الخيار لدي حقا        لذبت  كما يذوب حرف في القصيد
                           ***
غريب امر شعر العصر حقا     لقد ضاع التغني والغناء
وجاء الناس بالحجر المقفى   فلا ألق عليه ولا بهاء
ولا لغة تخاطب كل قلب        ولا صور تعمق وارتواء
لذا ابعدت نفسي عن بقايا      من الهذيان فالنظم ابتلاء
وفضلت السكوت على كلامي   وذبت شعاع نور في الوجود " ( 2010 )














                             


 


تعليقات