ختام الرواية

علامات 19                       بقلم رياض المرزوقي

( العلامات روح الطريق )
*********************************


53 - ختام الرواية                           "  الحب ليس رواية شرقية
                                                                    بختامها يتزوج الأبطال "  ( قباني )

نقل إلينا العرب خبر المستمع الذي طارد الراوي ( الفداوي ) إلى منزله ليعرف نهاية
الحكاية التي يرويها على حلقات . وتحدث الفرنسيون عن المرأة المصابة بمرض
مميت في سعيها وراء الكسندر دوما ليطلعها على بقية روايته المنشورة على صفحات
الجرائد مسلسلة قبل أن يوافيها الأجل دون أن تطلّع على مصير الأبطال .
والحق أن الإنسان في قرارة نفسه يرغب دائما في الاطلاع على نهاية القصّة .
وقد تطول المسلسلات ويموت السامع أو المشاهد ولا يدرك الحلقة الأخيرة منها .
والحياة مسلسل متعدد الحلقات يختلط فيه الحلو بالمرّ ولا يدرك من يعيش فيه أبدا
النهاية , أو لنقل إنها تدركه وتفاجئه فيفوته القطار دائما .
وتقنية السلاسل هذه معروفة من أقدم العصور في الملاحم , وألف ليلة وليلة ,
والسير الشعبية , والمسلسلات الأدبية المنشورة في الصحف أو المسلسلات التلفزية
اليوم .
لقد صبرت أسابيع , وأنا قليل الصبر , لأشاهد مسلسلا " مكسيكيا " بأكمله , يدفعني
الفضول الأدبي إلى معرفة حيل السيناريو , فأرهقني ذلك أيما إرهاق , ولم يمتعني على
الإطلاق . وسبب ذلك بسيط , إذ أن كاتب المسلسل ( أو كتّابه على الأصح فهم كُثر )
هو أيضا ينفد صبره فتضيع منه فتلة الأحداث , ويضع لها نهاية مصطنعة ليتخلص
من شخصياته بتزويجهم , أو قتلهم .
وقد تحدث النقاد طويلا عن روايات تنعت بالأنهار لتشعب أحداثها وكثرة شخصياتها
وبينوا أن كاتبها يضيع هو نفسه فيبعث شخصية ماتت في حلقة سابقة , أو ينسى
شخصية أخرى ويهملها وكأنها لم توجد قطّ .
وأذكر ذلك الكاتب الفرنسي وأعتقد أنه مؤلف رواية " غوامض باريس " في القرن
التاسع عشر , وكانت له خادمة تقتحم عليه مكتبه " لتنظيفه " , والرجل - مثلي تماما
يعيش في فوضى دائمة , ولا يجد نفسه إلا في الفوضى .
كان الكاتب المذكور يطيل رواياته إطالة مفرطة , فيصنع تماثيل للشخصيات يضعها على
رفوف خزانته بنظامه الخاص ليتذكر أيها مات وأيها بقي حيّا .
وإذا بالخادمة تعيد ترتيب التماثيل حسب احجامها , أو أشكالها , وإذا بالرواية التي
تنشر حلقاتها مسلسلة في الجريدة تصاب بلخبطة لم يصح منها الكاتب ولا القاريء .
ونحن - هذه الايام - مصابون بأنواع من الخادمات الأجنبيات أو الأهليات  تعيد ترتيب
بيوتنا , فتغرق أيامنا في البحث عما أضاعه هذا الترتيب .
أتمنى ( والتمني طلب المستحيل كما هو معلوم ) أن أعود يوما إلى فوضاي المحببة
فوضى زمن الستينات المبارك , لأجد من جديد مذاقا لحياتي المخنوقة اليوم بالتنظيم
المحكم ! 


تعليقات