من وحي اللحظة : الامانة العلمية 2

                  

من وحي اللحظة

       

               الأمانة العلمية (2)

الأمانة- بمعنى الصدق وعدم التزييف، الشفافية والوضوح- ليست شرطا لقيام العلم: هي بكل بساطة العلم عينه. وهذا سبق وأن أكدناه البارحة. ما نريد تفصيله أكثر هو أن الأمانة العلمية هي مطابقة ما نعرف حقا مع ما نريد تبليغه لمن يريد أن يعرف. العالم هو العارف الذي لا يدعي أنه يعرف ما لا يعرف، أو أنه لا يعرف ما يعرف. العالم لا يزيف بالضرورة ولا يكذب ولا يواري. هل العالم ملاك؟ لا طبعا، ولكن له من الملائكة تلك الخصلة، تلك الصفة الملائكية: الأمانة. الأمانة تصنع  الرُّسُلَ. ورسولنا محمد (صلعم)، قبل أن يكون رسولا (وبعده، أيضا)  كان لا يُعْرَفُ ولا يُعَرَّفُ، لا ينعت 

                            ٢

ولا يوصف إلا ب "الأمين". وكأننا بالأمانة شرط الرسالة. كيف نستغرب أن يقترن في مخيالنا الجمعي العالم بالرسول. ونحن قليلا ما نفصل صورة العالم عن صورة المعلم. أليس المعلم بشكل من الأشكال عالما، والعالم- درس أم لم يدرس- معلما؟ لهذا، كاد العالم، بما أنه معلم، أن يكون رسولا. و "كاد" أحمد شوقي تكاد تكون زائدة.  ربما تقول : أتظننا في "المدينة الفاضلة" كما تصورها وصورها ابن الفارض؟ لا، طبعا، لا! نحن، وا أسفاه! لسنا في مدن فاضلة. كم  كنا نود أن نكون فيها، ولكن، واحسرتاه، لسنا فيها. أليست هذه مأساتنا وطامتنا الكبرى؟ وإن نحن في ما نحن فيه، كما ترانا، فلأنهم قتلوا فينا حلم المدن الفاضلة حيث ترى "الأمين" فينا غريبا، تائها في الكون، ضائعا، ك "الملاك الضائع" (حسب تعبير شاعرنا الفذ خالد نجار). وفي المقابل، ترى في ما ترى 

                             2

"العلماء" المزيفين متربعين على عرش جمهوريات ثقافتنا واقتصادنا وسياستنا وحياتنا في وجوهها جميعا.

 سنعود إن كان في العمر بقية.       

تعليقات