كاره البشر

علامات  25               بقلم رياض المرزوقي

العلامات روح الطريق

65 - كاره البشر                     " أهواك يا حبيبتي      وأمقت البشر " ر . م

موليار من الكتاب المسرحيين المفضّلين عند العرب , بدأ تعريب نصوصه والاقتباس عنها
منذ أواخر القرن التاسع عشر , ولعله أكثر الكتّاب نجاحا على المسرح العربي .
لقد وجد المقتبسون ضالّتهم في موليار لأنه إلى فكاهته ( وبعضها من الخشونة بمكان ) ,
يطرق مشاغل أخلاقية واجتماعية يهتمّ بها العرب منذ  " نهضتهم " .
لكن ميل المسرحيين العرب اتّجه خاصّة لمسرحياته الأولى , القريبة من ال ( فارس )  
farce
أكثر مما أخذ عن نصوصه الكبرى .
شاهدنا في تونس " مدرسة النساء " , و" الماريشال " , وعُرض نصّه الأول
La jalousie du Barbouillé
لكن ( ترتوف ) لم تقدّم عندنا ( نتذكّر طبعا الاقتباس المغربي الشهير لها ) ,
ولا " كاره البشر "
Le Misanthrope
وهي - في رأيي - أفضل نصوصه وأكثرها عمقا .
إن ميلي الشخصي إلى هذه المسرحية يعود إلى دراستي الثانوية , فلقد تعلقت بها ,
وقرأتها مرّات رغم أنها شعرية , وأعجبت ببطلها الكاره للبشر والرافض لمجتمعهم
بينما كان هدف موليار ( ظاهريا على الأقل ) أن يظهره مخطئا , منحرف التفكير
والمواقف . وأصارحكم إن بيني وهذه الشخصية صلة متينة .
إن المجتمع البشري كما أعرفه أقرب إلى الغابة , وتصرف البشر فيه شبيه
بتصرف الضواري , والسباع .
وبصرف النظر عمّا حشيت به أدمغتنا من الفلسفة المتغنية بالفضائل , والمثل
العليا , فبمجرد خروجنا من قاعات الدرس , نكتشف حقيقة المجتمع .
لقد آمنت بهذا منذ عانيت من الناس في فترة التلمذة ما عانيت , وتأكد عندي
هذا الإحساس وتعمّق يوما بعد يوم .
لذا تعلقت بالمعرّي , وبالطبع بموليار دون أن أختار الانسحاب من المجموعة ,
أو رفض المجتمع , بل كان شعاري ومازال ( إن العيش في المجتمع شرّ ضروريّ )
وهو كالقضاء لا مفرّ منه .
ما أعظم الإنسان في الكتب , وما أقلّه وأهونه في الحياة !
















تعليقات