أ. ب

علامات              

بقلم رياض المرزوقي



66 - أ. ب .                          " سعيدة أريدها أمامي      ولو على حطاميَ الغريقِ " ر . م

كانت فترة الدراسة الجامعية أجمل فترات حياتي , وأكثرها إنتاجا .
فأجود ما كتبت من الشعر , ونشرته على صفحات ( الفكر ) يعود إلى تلك الفترة ,
ومعظم ما حوته مجموعتي ( الرحلة في الأبيات ) منه .
وقد أهديت أكثر قصائدي آنذاك إلى أ . ب . وسأل السائلون عمّن تكون ؟ فلم أجب
يوما . وذهب في ظنّ الكثيرين أن الحرفين ( أب ) اسم مستعار .
ولأوّل مرّة منذ ذلك التاريخ أي منذ أكثر من خمسين سنة سأكشف الحجب عن أجمل
قصص حياتي .
دخلت الجامعة في سن لم تتخطّ المراهقة إلا قليلا . وكنت تائها , معنّى , وحيدا ,
فأنا لم أعرف صديقا حقيقيا قطّ , ولا علاقة جديّة , عدا ما يكون من أحلام الرومانسية ,
ولم يتجاوز كلامي مع زملائي السلام والتحيّة , بل كنت الوحيد - فيما أدركت - الذي
لم ينضمّ إلى فريق عمل , أو اشتغل بصورة جماعية , كما كان ينصح أساتذتنا .
عوّضت كل هذا بالشعر , فعشت لأجله , مضحيّا بالكثير .
كنت أنظم صباحا ومساء , وخلال الليل الطويل , وعرفت بعض الشهرة عندما نشرت
أولى قصائدي على صفحات الفكر , وكانت أهمّ مجلة ثقافية في البلاد . وشاركت
بشغف محموم في الأمسيات الشعرية حتى كدت أضيع دراستي ...
ولست أدري إن كان ذلك بسببها , أو بسبب ما أتخيّله منها , فأنا اليوم أبعد ما أكون عن
تلك المشاغل , بل إني لا أكاد أصدّق أنني أحببت , بل عشقت من أوّل نظرة .
ربما كان الحوار المتبادل بيننا لا يملأ خلال ثلاث سنوات نصف صفحة , تقابلها عشرات
القصائد التي حرصت على نشرها , لا تعلّقا بالشهرة , بل لتقرأها هي
" الموعد الشهري      مجلّة الفكر
قصيدة عذرا           تموج في صدري
تكوي شراييني        جمرا على جمر
تسري بأعضائي       لذيذة الخدر
ترجمت أشواقي      بالدمع والحِبر ... "
في ذلك الوقت , كانت أحبّ الأغاني عندي , أغنية عبد الوهاب ( إنت إنت ولا انتش
داري ) وهي المعبّرة حقّا عن معضلتي
كانت زميلتي في الدراسة , تجلس على بعد مقاعد مني , وكان اسمها ولقبها يبدآن
بالألف والباء .
نظمت فيها , وكتبت عنها ما يملأ دفاتر , تغزلت , ووصفت , وعاتبت , وعبرت عن
ألمي , وغيرتي .
تتبعتها في الدروس , والعروض , والمكتبة , وتكلّمت عن محبيها , وخطيبها ,
وكانت آخر قصائدي عن زواجها عنوانها " إلى آنسة أصبحت سيدة " .
ومازلت إلى اليوم أستعيد أصداء قصّتي معها عندما أستمع إلى أغنية كتبتُ كلماتها ,
ولحنها محمد التريكي , وأدتها سلاف
" سألوني كثير على اسمو    اسمو ما هو خافي
اسمو خطرة , اسمو زهرة , اسمو حلو ودافي " .
المهمّ أني اقتلعتها من قلبي تماما
" وكانت نهاية قصّتنا     كما مالت الشمس للمغربِ "
لم تكن هذه القصّة أولى قصص حبي ولا آخرها لكنها كانت أكثرها اندفاعا وبراءة .
والتقيتها بعد سنوات في حفل تكريم , فكانت كالغريبة بالنسبة إلي , لم أخاطبها بكلمة
ولا سلّمت عليها , فهي قد ماتت عندي , ولم يبق إلا طيفها في الشعر .








تعليقات