الوقائع تنفرد بنشر ترجمة معجم بورديو(1)

خصتنا الدكتورة الزهرة إبراهيم بإمكانية نشر معجم بورديو الذي قامت بتعريبه وسنتولى ابتداء من اليوم نشره متسلسلا
نتوجه لها بخالص الشكر والامتنان  ونرجو لقراء الوقائع الاستفادة الواسعة

Dictionnaire
Bourdieu

Stéphane Chevallier
Doctorant à l’université de Paris 1- Panthéon-Sorbonne

Christiane Chauviré
Professeur à l’UFR de philosophie
De l’université de Paris 1- Panthéon-Sorbonne


معجم بورديو

تأليف: ستيفان شوفالييه
كريستيان شوفيري
ترجمة: الزهرة إبراهيم

دار النايا دمشق- سوريا
دار الجزائر
الشركة السورية الجزائرية للنشر والتوزيع
الطبعة الأولى 2013

مقدمة المترجمة

         انبثقت رغبة ترجمة هذا المعجم بدءا من حاجة أكاديمية اقتضتها مطالب معرفية خاصة بحقل علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وذلك لتزويد أبحاث تشدني، أكثر فأكثر، إلى مقاربة معطيات وظواهر وممارسات مادية ورمزية، تهم أساليب عيش المجتمعات الواحيَّة باعتبارها مشركات ذات خصيصات ثقافية مركبة، بحيث استطاعت أن تبني لها نسقا من العلاقات والتفاعلات داخل مجال جغرافي يمتد من صحراء الجنوب الشرقي المغربي باتجاه المجال الواحي لشبه الجزيرة العربية، كما أنها قاومت، بكثير من العنف، مجموع متغيرات من أجل صيانته وضمان استمراره، من غير أن تحسم بشكل فاصل بقاءه على أصوله وطبيعته. في هذا التجاذب المحتدم، اكتشفت حقلا خصبا للدراسة الأنثروبولوجية، انطلق من مساءلة المخطوطات الأدبية والعلمية في واحة فجيج التي أنتمي إليها أصولا وولادة ومنشأ، ثم وصولا إلى دراسة المعمار الطيني، وذلك عبر مساءلة جادة لسيرورات تكون هذه المادة الثقافية عبر صيرورة تاريخية بصمت حضورها بالدينامية، حينا، وبالفتور، حينا آخر.

       لقد توسمت، في بعض من التصورات الأساس ضمن معجم بورديو، والتي شيد بها مشروعه السوسيولوجي، وكذا خبرته بمجتمع القبائل الجزائرية، مداخل ذكية لفك مستغلقات العالم الاجتماعي القائم نظامه على انخراط الفاعلين وتورطهم في بناء تفاعلات بحكم مواقعهم الطبقية، وكذا بفعل الهابيتوس، وطبيعة العلاقات بين الأفراد والجماعات التي تتبادل مواقع السيطرة أو الخضوع في سياق مصالح اقتصادية وسياسية وثقافية تتحكم في سيروراتها سلطة رمزية، كما يستبد بها عنف رمزي يمارسه البعض ويذعن له البعض الآخر...، لا سيما داخل أنساق اجتماعية تتعدد فيها السلط وتتداخل، وذلك تبعا لاقتضاءات السن أو النوع أو الانتماء الديني أو السياسي أو الاقتصادي...

     وككل مرة أقدم فيها على فعل الترجمة، فإنني أصير مسكونة بتهيب شديد أمام جسامة المهمة العلمية التي أتجشم عبئها، وتحضرني كما العادة قولة جان جينيهJean GENET  "كل ترجمة خيانة"، مستندا في هذا الرأي إلى الجذر المعجمي (Tra)   لكل من (Traduction) و (Trahison). ولقد كان هذا كافيا حتى أتوخى-إلى أقصى الدرجات الممكنة- الحذر من مزالق الترجمة، لا سيما وأن معجم بورديو ينقل حمولة من الفكر الإنساني، تفوق مدارات اللغة الفرنسية لتمتح من اللغة اللاتينية، هذه الأخيرة التي تنقل بدورها، مفاهيم وتصورات تمتد جذورها إلى الفلسفة الإغريقية عند أرسطو وأفلاطون، وتنفتح على أوسع النقاشات الفلسفية المحتدمة في عالم الحداثة وما بعدها.

       لقد أتاحت لي ترجمة هذا المعجم فرصة الاتصال بأحد مؤلفيه وهو ستيفان شوفالييه، عبر الأنترنت، قصد الاستئناس بخلاصات تجربته في قراءة أعمال بورديو وإعادة بنائها على شكل مداخل معجمية، وقد نصحني بأن أحافظ على صيغة عدد من التصورات كما هي، من غير أن أكِدَّ في محاولة البحث عن مقابل لها في اللغة العربية (أنظر الملحق)، على غرار ما قام به هو أيضا، لأنها أكبر من مجرد لفظة، ولأنها ذات حمولة فكرية قائمة بذاتها على امتداد تاريخ من التطور داخل مدراس الفلسفة وتياراتها، مثل هابيتوس، ونوموس، وسكولا، وتخلفية، ووهم، ودوكسا.
      ويكتسب هذا المعجم أهميته من الكيفية التي استثمر بها ستيفان شوفالييه وكريستيان شوفيري فكر بورديو، أعني مشروعه السوسيولوجي، وكذلك معظم الدراسات التي أنجزت حوله. ويمكننا رصد هذا الاستثمار على ثلاثة محاور: أولها عمودي، يستحضر مؤلفات بورديو وفق ما تستدعيه المطالب العلمية لبناء هذا المعجم، وأيضا وفق تطور منظوراته السوسيولوجية ما بين سنة 1958 حين أصدر كتابه الأول بعنوان "سوسيولوجيا الجزائر"، وكتابه الأخير "المخططات الإجمالية الجزائرية" سنة 2008 (الذي صدر بعد وفاته سنة 2002). وثانيها أفقي، يتتبع حضور التصورات أو المفاهيم في مجموع هذه الأعمال، منوِّها بذلك إلى النسق الفكري الذي يحكم علم اجتماع بيير بورديو. ثم ثالثها موازي، يستحضر كتابات لمفكرين وباحثين يتقاطعون أو يتباعدون مع فكر عالم الاجتماع، حول مجموع القضايا المطروحة، لأنه بصم، بشكل متميز، سوسيولوجيا النصف الثاني من القرن العشرين، وبضع سنوات من العقد الأول للألفية الثالثة. ففي هذا المعجم نلتقي عبر مشروع بورديو السوسيولوجي مع مرجعيات غزيرة ومتنوعة من فلسفة، وعلم اجتماع، وتحليل نفسي، وأنثروبولوجيا، وبيداغوجيا، ولسانيات إلخ...، إذ يحضر ليبنتز، وماركس، وهيغل، وهايدغر، وهوسرل، وويبر، وفتجنشتين، وسبينوزا، وسارتر، وميرلو بونتي، وهوم، وفوكو، وهابرماس، وفرويد، وليفي شتروس، وكاسرير، وبانوفسكي، وديوي، وبياجي، وسوسير، وتشومسكي... الشيء الذي يغني المادة المعجمية، ويفتح الكثير من الاستطرادات التي ينبغي الانتباه إلى ورودها داخل نسق فكرة أو جملة، وذلك وفق مطالب استثمارها من طرف مؤلفي معجم بورديو ستيفان شوفالييه وكريستيان شوفيري.

     وبحيث إن هذا المعجم يستجيب، تبعا لمحتواه العلمي، لمطالب باحثين في حقول معرفية مختلفة، بدءا بحقل علم الاجتماع وانتهاء إلى حقول التربية والتعليم والرياضة والسياسة والاقتصاد...، من دون أن نتناسى قيمته الفلسفية الخفية، لكنها أكيدة داخل فكر عالم اجتماع جعل من الفلسفة وفلسفة المعرفة سنده الأساس والرصين حتى من دون أن يثير لغطا حول ذلك. وبالتالي، فإن المتلقي العربي، قارئا وباحثا، سيجد في هذا المعجم بعضا من مآربه العلمية، ويكفينا تقديرا أن نخدمه ونقلص المسافات بينه وبين أعمال جادة هو بحاجة إلى اكتشافها ومساءلتها، ثم تمثلها والإفادة منها ليس كمستهلك لمعارف الآخر، فحسب، ولكن كمنخرط في الفعل الفكري المنتِج، فيمدّ بذلك جسور التبادل بين اللغات والأفكار والثقافات، لأننا نعيش في عالم منفتح لا يقبل الانغلاق ولا الاكتفاء بنمط فكري وحيد وأحادي، ولأننا، بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى حوار الآخر، إذ لا مجال للتطور خارج دائرة تفاعل الفكر الإنساني المؤمن بحوار الثقافات.
الزهرة إبراهيم- مكناس- المغرب يوليوز 2012






تعليقات