مشاهدة لنصف قرن من الفن التشكيلي

بقلم : محمد المي

منذ سنة 1966 ونجا المهداوي يساهم في العطاء الفني والإبداعي إذ احتوى المعرص الذي أقيم في قاليري المساكني بالمرسى على لوحات تعود الى فترة البدايات وصولا إلى آخر لوحة يعود تاريخها إلى 2018

وشخصيا شاهدت عديد المعارض الاستعادية خصوصا منها التي أقيمت في دار الفنون بالبلفدير والحق أن معرض نجا لم يستطع فنان تونسي أن يصل الى مستواه سواء من حيث الكم المنتج أو نوعية العمل أو
المراكمة النقدية فنجا كتبت عن تجربته أكثر من عشرة كتب فنية فاخرة كتبها عنه نقاد من تونس وخارجها .

لأنه لايكفي آن يستعيد الفنان ما أنجز من لوحات طيلة فترة حضورة في المشهد الإبداعي بل يجب أن يستظهر بالمرافقة النقدية التي واكبت ذلك الحضور
فتسجل الكتب الفنية المعارض الجماعية والشخصية وتعطي لمحة عن مواكبة النقاد لأعماله تلك وإنجازاته

في معرض نجا وجدنا كتابات صالح القرمادي وعزالدين المدني وفي المطوية التي وزعت كتب الناصر بن الشيخ أحد أعضاء مجموعة الخمسة فالستة  الذين من بينهم : نجيب بلخوجة والصادق قمش ونجا المهداوي ولطفي الارناؤوط ..وحول تاريخ هذه المجموعة اختلاف وتلك قصة أخرى .

المهم أن معرض الفنان التشكيلي العالمي نجا المهداوي ونستطيع أن نقول هذه الكلمة دون تردد لأن نجا عرض في مختلف أنحاء العالم وكتب عن تجربته بمختلف اللغات وكتابه الأخير الذي ساهم في تمويلة البنك العريي لتونس والمؤلف من 500 صفحة يدل على نوعية المساهمات النقدية التي رافقت إنتاج الرجل .

نجا غزير الإنتاج بدأ بالكولاج (التلصيق) فالتشكيل وصولا إلى الخط أو مايعبر عنه بالحروفية ومنها استنبط أشكالا واشتغل فيها على الألوان فكانت تجربته المتجاوزة شكلا ومضمونا والمتفردة في دنيا الفن والإبداع

أعجبني في المعرض الاستيعادي لنجا الركن الذي خصص لعرض الكتب التي كتبت عن تجربته وقد حضر إلى جانبه كل من عزالدين المدني ليلقي كلمة على الحضور يتحدث فيها عن بدايات نجا واسهاماته الفنية تونسيا وعربيا وعالميا

كما أعجبني أن يقدم الناصر بن الشيخ مطوية هذا المعرض كشاهد على البدايات رغم أن الناصر بن الشيخ في مسيرته انتقد نجا ولكنه في النهاية رفع القبعة على طريقة الفرنسيين وانحنى انحاء التواضع لتحية رفيق البدايات

يمكن اعتبار  تجربة جماعة الخمسة فجماعة الستة المنشقة عن مدرسة تونس والفالتة من هيمنتها استطاعت من خلال نموذجي نجيب بلخوجة ونجا المهداوي أن تؤكد الفرادة وتثبت الخصوصية وتسجل كثافة الإنتاج وتنوعه

مشكلة أغلب الفنانين التشكيليين التونسيين قلة الإنتاج ماعدا  بعض الإستثناءات على غرار الراحل الحبيب بوعبانة ولمين ساسي أطال الله في عمره .
أعود لأقول إن تجربة نجا المهداوي الممتدة على أكثر من نصف قرن من 1966 إلى 2018 أي 52 عاما حرية بأن تعرف وأن نصل إلى هذه الوقفة الشبيهةباستراحة المحارب  لنقيم المنجز ونقف على خصوصية التجربة.

بيننا فنان عالمي تجاوز الحدود الضيقة وأثبت الفرادة والخصوصية واستطاع الخروج بالخط العربي من الحدود التي قيد بها ليكون مقصورا على كتابة بعض آيات القرآن الكريم أو الحكم أو أبيات من الشعر ليشكل الخط لوحات فنية بديعة تنطبق عليها كلمة الإبداع كما وردت في لسان العرب وهي الإتيان بالشيء لا على مثال سابق له .

لقد أتى نجا بما لا سابق له وهذا الفنان الذي وظف الخط العربي إلى درجة يتفاعل المتلقي مع عمله مهما كانت لغته ومهما كانت ثقافته لأن نجا خاطب الإنسان واتجه إليه راسما رحلة تطور الخط الذي ابتكر للكتابة اي للتواصل وتقييد الحضور .

الكتابة فعل ضد النسيان وتقييد للحدث وامساك بالفالت والهارب والمار ...فإذا بالكتابة مع نجا تتخذ وجهة تشكيلية فنية حتى غدا التشكيل رؤية من رؤى العالم وشكلا من أشكال الإقامة فيه . 
   
        

تعليقات