لوحات تخرجك من اللذة الى التفكير

معرفتي بحمدي مزهودي لا تتجاوز الأشهر حيث اكتشفت فيه فنانا كاريكاتوريا متميزا يحسن التعبير عن الشأن العام فيدل عليه بالرسم والتعليق مذكرا بذلك بقائمة من أسماء أبطال الكاريكاتور ورموزه كعمر الغرايري ومصطفى المرشاوي والشاذلي بلخامسة والحبيب بوحوال ورشيد الرحموني ولطفي بن ساسي وتوفيق عمران..الخ
من شدة إعجابي شاطرته وقاسمته رسومه فوشحت بها موقعي الالكتروني " الوقائع" حيث خصصت فقرة يومية عنوانها : كاريكاتور اليوم بريشة الفنان حمدي مزهودي إلى أن فاجأني ذات يوم وطلب مني المساهمة في تقديم كاتالوق أعماله الذي يعده فوافقت على الفور اعتقادا مني أنه يعد كاتالوغا للكاريكاتور فأذا به يرسل إلي لوحات فنية كأنها مرت بي وكأنني مررت بها ...هي ليست غريبة عن ذاكرتي البصرية !
طفقت أبحث في مكتبتي بين ماتراكم لدي من كتب الفن والرسم وكاتالوقات المعارض الفنية حتى وقعت على أعمال الفنان العبلجيكي السريالي روني ماغريت (1898/1967)  الذي تميزت أعماله باستفزاز المتلقي قصد أثارته لتحسس ماحوله والانتباه إلى مايشاهد بحذر ومكر شديدين فرسم الغليون وقال هذا ليس غليونا وجمع بين النحت والفن التشكيلي وقد تحدث عن أعماله كبار النقاد وحتى الفلاسفة على غرار ميشال فوكو
أعود الآن إلى الأعمال التي أرسلها إلي حمدي مزهودي وكأن ذاكرتي البصرية قد تعطلت لحين قصد محا ولة قراءة ماأقترحه جماليا علينا
يحاول حمدي مزهودي من خلال عمله الإبداعي أن يماهي بين الإنسان والفضاء حتى لكأن الإنسان قد احتوى السماء وأصبح لها ندا فتشظى عقله ليحل في رحاب فضاء لا نهاية له.
أشكال فضائية تعطي للإنسان إمكانيات أخرى وتفتح أفاقا ليقلع من دنيا تشده إليها.
استفاد حمدي مزهودي من توظيف المادة في أعماله التي زاوج فيها أكثر من تقنية ليستغل الورق " المكمش" وقد طرأت عليه تغيرات وتبدلات نقلته من وضعية التسطح والانبساط إلى وضعية أخرى دالة على الحركة مستغلة الطوارىء التي حولتها من وضعية الى وضعية فدلت على نفسية تداخلت فيها الأشياء وتراكمت عليها الأشكال فلا جزء يشبه الجزء وان اتسق المنظر العام وتناسق حتى تجد نفسك أمام صورة تدل على :
حدث ما في وقت ما
ليقول شيئا ما ...
فعل الفنان في الورقة البيضاء فعل افتضاض وولوج واغتصاب لعذريتها فعل فحولة قصد تشكيل العالم وفق الاهواء والنزوات كفعل الكاتب وهو يجري قلمه على بياضها
غير أن وسيلة تعبيره تختلف لتقول رؤيته للعالم وطريقة انفعاله مع الموجودات وتحديد موقفه من ذاته  ومن الاخر ومن العالم في النهاية
هاهنا لا يترك الفنان نفسه رهين رسمه على الورقةمن خدوش وجروح ومايملي عليها من حركات ليدخل نعناصر الطبيعة الاربعةالتي تحدث عنها قاستون باشلار ( الماء والهواء والنار والتراب )  فيستحضر هذه العناصر من خلال الألوان تارة : الاحمر ، الترابي ، الفضائي،  المائي..ليسلط الفكرة أكثر على إنسان مقطوع الرأس تطوقه السحب أو على الرأس المشدود الى نصف سفلي لا وجود له عساه يقر له قرار
تتجسد رؤية المبدع كخالق لعوالم جديدة تطل على أفق انتظار وتفتح للخيال مجالا حتى لكأنك أمام لوحة تحيل على الخيال العلمي أو هي رؤية بصرية من دنيا الواقع إلى عوالم لا عهد لك بها
في هذا الوقت تخرج من وضع المستهلك والمتلقي الى وضع الفاعل انطلاقا من أسئلة تطرحها على نفسك وأنت تتامل عوالم حمدي مزهودي
محمد المي
تونس فيفري 2018

تعليقات