صور أرفية وديونيسية

من روائع المسرح التونسي :
"عَرَبْ "  لمجموعة " المَسْرَحِ الجَدِيد"
                                  تأليف وترجمة محمد مومن

ملاحظة :
         نشر هذا المقال باللسان الفرنسي في الجريدة اليومية " لُوتَانْ " [Le Temps]"، يوم الأحد ١٤ من شهر جوان٧ ١٩٨، وقد عنونته أنذاك بعنوان كبير : " صور أرفية ديونييسية". وها أني أعود بعد واحد وثلاثين عاما لأترجمه لكم مقطعا مقطعا، وذلك بمعدل مقطع كل يوم، معنون بعنوانه الفرعي. واليوم  أترجم لكم هنا في "وقائع" مقطعا من المقال الذي يحمل عنوانا كبيرا، هو " صور أرفية وديونيسية". وإن نفعل هذا فللتاريخ والذكرى. أليس علينا أن نذكر؟ أليست الذكرى تنفع المؤمنين؟
    
     
      صور  أُرْفِيةٌ ودِيُونِيسِيَّةٌ
                
          
   ما زلنا نتجول بين صور " عَرَبْ " ونتنزه فيها وقد حاولنا بادئ ذي بدء أن نستخرج باقة منها مجتهدين في استنطاق بعضا من الأبعاد الميثولوجية التي تنشطها . وها أننا نواصل جولتنا وكلنا عزم على أن نبين كون هذه التغريبة التي
      تذكرنا بعض لهجاتها وإيقاعاتها، وطقوسها وأجوائها، بشيء ما من السيرة  الهلالية، تنُشَطِّها في الحقيقة رؤية "ديُونيسِيَة"، تلك التي تنهض على جماليات الإفراط والإفاضة، على السُّكْرِ والنشوة والإنتشاء، حسب رأي " فْرِيدرِيشْ نِيتْشَه" في سفره " ميلاد التراجيديا الإغريقية"، وتحركها أيضا رؤية " أُرْفِيَّةٌ" في شكل إسفار في بحور الظلمات وابحار في عوالم الليل   .
         على إيقاع الزلازل
     تتوزع  " عَرَبْ " حسب عشرة "حركات " :  ربما يراها بعضهم " مقاطع     " وهي في حقيقتها "مقطوعات" أو لا يشاهد فيها إلا ما يشبه " المَشَاهدَ" وهي ليست في أصلها سوى "لَوْحَاتّ"-" - بحميع المفاهيم المتعددة      التي تعنيها العبارة بما فيها المعنى التشكيلي. ولا نرانا نبالغ إن قلنا إن عَرَبْ "   " لها ملامح قصيدة تتألف من عشرة أبيات. وهو في الأخير ما يتنزل كعشر نقرات تصور إيقاع هذه السيرة الملحمية. والمفاجئ في هذا الإيقاع أنه يحيلنا على  التَّوِّإلى الحركات التي تحدثها الهزات الأرضية وقت تحركاتها، وزمن تزلزلها. أرض العرب أرص زلازل: هي مما يسمى ب "دائرة" أو "نطاق النار"، أي منطقة الهزات الأرضية. ومما هو واضح كوضوح نور الضحى أننا قدام توزيع محكم بين فترات مشحنة للغاية (مشاجرات شديدة العنف) وفترات أخرى هادئة، تكاد تكون في سكون الموت). وكأننا أمام أغنية، هي أغنية الموت والحياة، النار والرماد، لا تعرف ولا تعترف إلا بنظام إيقاعي واحد أحد ينبني على الفترات الزمانية القصوى والقصية : الصفر ، يعني هنا البطء المطلق، واللانهاية، أي السرعة التي ليس لها حدود. ويصبغ هذان الشكلان من السرعة الدرامية على "عَرَبْ إيقاعا " سنفونيا " بالمعنى الحرفي والموسيقي، لا المجازي والاستعاري  للكلمة يتمثل توزيعا موسيقيا صرف،  ها نحن إذن من جديد مع "المسرح الجديد" حيال فن درامي يتمثل توزيعا موسيقيا صرفا، أنشاء أركستراليا خالصا. وهذا التأليف الأكسترالي قاعدته وعمدته التي يعتمدها هي تلك الزلازل والهزات والإضطرابات

تعليقات