الانبتات

من روائع المسرح التونسي :  "عَرَبْ "
   لمجموعة " المَسْرَحِ الجَدِيد"
                                      بقلم محمد مومن

ملاحظة :
  نشر هذا المقال باللسان الفرنسي في الجريدة اليومية " لُوتَانْ " [Le Temps]، يوم السبت ١٣ من شهر جوان٧ ١٩٨،   عنونته : " الركح ساعة الأساطير الكبرى" . وإليكم مقطعا مترجما منه.
        
        الانْبِتَاتْ
     أين عروبتنا؟
ربما كان جواب "  عَرَبْ" عن هذا السؤال كوننا عرب هاربين،  فارين من بعضنا البعض. فأنت ترى "الطمامرية" يفرون من "الطمامرية"، ولكن بظنك إلى أين يلجأ هؤلاء الفارون؟ نراهم يحتمون في كنيسة خربة آيلة للسقوط. أجل، يمكنك القول إن عروبتنا تفر إلى كنيسة، إلى دير نصف منهار. يا للعار! ولكن لو تمعنا في ما نراه لتفطنا إلى أن حالنا الآن شبيه تمام الشبه بهذا الوضع المخزي. نعم وضعنا الآن لا يختلف في شيء عما   تشير إليه " عَرَبْ". ثم ما عساها تكون هذه الكنيسة إن لم تكن علامة، بل رمزا من الرموز دلالاتها واضحة وضوح النهار، بما هي  شارة تحيلنا بلا غموض على حضارة الآخر، يعني على    الغرب. إنها بلاغيا صورة مجازية، لنقل مجازا مرسلا أو كناية تدل على ثقافات الإفرنج الغازي الذي غادر هذه الأرض بعد  تركها صحراء، قفرا يبابا : وادي غير ذي زرع. ومما لا ريب فيه أننا تاريخيا في عهد ما بعد جلاء المستعمرين وإخلاء المعمرين لأراضينا، خصوصا أن أصداء حرب لبنان الأهلية تُسْمَعُ من كل صوب وحدب، من الجهات الست. كل شيء يوحي إلينا أننا في عهد"  مَا بَعْدَ الكُولُونيِالية". وبعد خروج  المُسْتَعْمِر، نرى العرب وقد عادت لعاداتها القديمة، أي لعداواتهم  وانشقاقاتهم وتقاتلهم القبلي الذي لا ينتهي. وها هي في حروبها العروشية كما البارحة، تتناحر في ما بينها بلا هوادة، وبكل  شراسة ووحشية. و "قُرَيْش وبقية المُطَارَدِينَ من " الطْمَامْرِيَّة " لا يجدون لهم ملجأ إلا في هذه الكنيسة التي هي مزروعة في ديار العرب. ما معنى هذا الكلام الذي تقوله وتجسده " عَرَبْ "؟ هذا يعني أن العرب مطَارَدونَ في ديارهم وأن اختلافاتهم وصراعاتهم الداخلية تجعلهم فريسة سهلة في أيدي الطامعين والمتربصين بهم. لا بد أن نقتنع أننا نحن العرب موجودون في الغرب، والحال إنه على وشك انهيار. ولكن هل لنا خيار آخر؟ نحن مضطرون إلى السكنى فيه. وهو طبعا  ليس بالملجأ ولا بالمخبإ، لا بالحصن ولا بالملاذ، لا بالمعقل ولا بالمعتصم. إنه منفى، بل قل أعلى درجات المنافي لأن الهاربين  يسجنون أنفسهم بأنفسهم داخله. ولكن ما العمل؟ خارج الكنيسة، أي خارج  دنيا الغرب، لا وجود لغير الموت. وكذلك  داخل الكنيسة ليس هناك وجود آخر سوى للموت أو الجنون. لا منفذ ولا خلاص في الآفاق. الحالة بلا حل ولا نجاة. والمخرج الوحيد يؤدي إلى المطاردين أي إلى الموت. حتى ولو نزلنا تحت الأرض- و " خَلِيلُ" ما انفك يحفر نفقا في الأرض – لما نجونا. نحن في الغرب بلا رجعة. لا مكان خارج الغرب، لا مكان لمكان آخر مغاير. أجل، في الثمانين، نحن في الغرب. الغرب فينا. وهذا يعني، في ما يعني، أنهم حقا مجانين أولائك الذين يسعون إل نصب حواجز بين الشرق والغرب.  لم يعد هناك، الآن وهنا، هوية خالصة، أو - كما يقولون-  تفرد. إن هويتنا العربية سخرت نفسها إلى الترحال والضياع. ككل الهويات. ربما لم يكن الوحش هو الغرب. من الراجح أننا  وحوش ذواتنا.


فهي  كدَيْرٍ من الأدْيِرَةِ

تعليقات