هل في الدار احد؟

من روائع المسرح التونسي :  "عَرَبْ "
   لمجموعة " المَسْرَحِ الجَدِيد"

ملاحظة :
  نشر هذا المقال باللسان الفرنسي في الجريدة اليومية " لُوتَانْ " [Le Temps]، يوم السبت ١٣ من شهر جوان٧ ١٩٨، وأتى تحت عنوان : " الركح ساعة الأساطير الكبرى" .

              هَلْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ ؟

         كيف الحديث عن اللاشيء؟ اللاشيء لا يحتمل أي نعت ممكن، ولا يتحمل أي وصف. إنه يكتفي بذاته. لا يمكن التعبير عنه إلا في شكل " الحَشْو"- وهو بلاغيا صورة من صور التكرار الدائري لنفس المعنى من قبيل تفسير الماء بالماء : اللاشيء هو اللاشيء. ونحن نعلم أن "  الحَشْوَ
  " ثرثرة لأنه لَغْو، كلام بلا معنى. لهذا يعتقد "  رُولاَنْ بَارْتْ " أن وحدها الثرثرة يمكنها أن تترجم اللاشيء. وهو على ما يبدو الشيء الذي أرادت تبليغه "عَرَبْ". ولهذا مَسْرَحَتْ لنا  الثرثرة التي تلفظت بها تلك البشرية المُحَاصَرَة. وفعلا، ماذا يفعل  "قُرَيْشْ"وشركاؤه؟ هم لا يفعلون سوى أنهم يثرثرون، بالحركة والكلمة. هم لا يحدثون في الختام شيئا غير " الضَّجِيج" كي لا يسمعوا أصوات الحقيقة، حقيقتهم. والحقيقة هي أنهم خاسرون، كائنات فاشلة وضائعة، أناس محكوم عليهم بالموت، الموت المعنوي والجسدي. الموت قدرهم ومصيرهم الوحيد. إزاء هذه الحقيقة، تفقد الأشياء جميعها معناها ومغزاها. يا للخسارة!   كل هذه الطاقة بدون فائدة، كل هذا الإنفاق والبذل الضائع سدى! حيال هذا الموت المقدر المحتوم، ذلك الذي يمشي نحونا بلا رحمة ولا هوادة، تفقد الأشياء معناها. وبالتوازي، نكتشف فجأة أن كل هذه التراجيديا هي زوبعة فارغة. هي ضجيج عقيم وصخب عديم الغاية. إنها جلبة تنضاف إلى غيرها، لا غير. ونحن نمسك هنا ما يُوَحِّدُ آثَارَ "المَسْرَحِ الجَدِيد  " : من "العِرْسْ" إلى "لاَمْ" سعت هذه المجموعة إلى إنشاء خطاب مسرحي ما فتيء يزداد اتقانا لفنه من عمل إلى آخر    فَمَسْرَحَتْ وحاكمت العديد من أشكال الثرثرة، من لغو أنظمتنا ومؤسساتنا إلى مهاترات شعائرنا وأساطيرنا. وما يجدر الإشارة إليه أن الفن الكبير والرشيد، الفن الأصيل، يعتني كثيرا بالثرثرة، بما يسميه غُوسْتَافْ فْلُوبِيرْ "الحَمَاقَةَ ". تراه يحلم بالتعبير عَمَّا هو أساسي وجوهري، فيجتهد كثيرا حتى يجعل  خطابه صافيا موجزا، مختزلا مختزنا. وهكذا نرى " المَسْرَحِ الجَدِيد"، بفضل تعبيرات ركحية دقيقة، تزداد دقة أكثر فأكثر، ما فتيء يمسرح لكل ما هو غير أساسي في حياتنا وثقافتنا المعاصرة بغية فضحه وإدانته. ولكن، ومن ناحية أخرى، مسرح "   المَسْرَحِ الجَدِيد" هو رفض للصمت : أليست الثرثرة ، كما يؤكد ذلك " جَانْ بُولْ سَارْتْر، " هي الصمت. أن تثرثر يعني أنك تتكلم بدون أن تقول شيئا مفيدا وذا معنى. " المَسْرَحُ الجَدِيدُ" يكتب ضد الصمت، أي ضد الموت، موت مجتمعاتنا وإنسانياتنا العربية المعاصرة. وأسوة ب " حُوريَّةَ"  التي تطرق بعنف في فاتحة المسرحية باب الكنيسة أين احتمى بداخلها " قُرَيْشُ"  وأصحابه يطرق " المَسْرَحُ الجَدِيدُ"   بعنف  جدران صمتنا.  هل هناك أحد؟

تعليقات