شيء من النثر حول المخاللة والمصادقة

بدون الوان//

حمدي صلاح الدين 

(من ذاكرة العرب،

شيء من النثر حول المخاللة و المصادقة 1_50 ) 

مدخل  اول: (خلفية)

( من ذاكرة العرب، شيء من النثر حول  المخاللة و المصادقة) هي سلسلة مقالات اجتماعية  قوامها ثلاثين مقالا تتخللها امثلة  و نماذج من اشعار سويد بن ابي كاهل اليشكري و حسان بن ثابت و احمد شوقي و حافظ ابراهيم  اضافة الي عرض لحكم عربية تدور حول المخاللة و المصادقة.   

مدخل ثان : (ظاهرة اجتماعية) 

من ابرز الظواهر الاجتماعية الاخذة في التنامي وسط بعض المجتمعات الصغيرة  (الغدر، الخيانة و نكران الجميل).  و هي صفات ضد صفات (الاخلاص، الوفاء و حفظ الجميل).  وبدات هذه الصفات تاخذ حيزا كبيرا في حياتنا اليومية لتهدد النسيج المجتمعي بقوة. فهل غابت هذه القيم ام بدات في التلاشي؟  و ماهي مسبباتها الاساسية؟  و كيف السبيل الي التعامل معها كظاهرة تستحق الدراسة؟  

مدخل ثالث:  (العرب تضرب في  الانكل، خرافة الخل الوفي):  

والعرب تضرب (في الانكل) و تقدم لنا  امثولة و حكمة تمشي بيننا مضربا" للمثل حتي الالفية الثالثة حيث قالت العرب شعرا: 

لمّا رأيتُ بَني الزّمانِ وما بهِم خلٌّ وفيٌّ، للشدائدِ أصطفي

 أيقنتُ أنّ المستحيلَ ثلاثة ٌ: الغُولُ والعَنقاءُ والخِلّ الوَفي

لذا تجد نفسك تردد  (من رابع المستحيلات ان يحدث كذا)،  تقول ذلك عطفا علي المستحيلات الثلاثة المنظومة شعرا في  بيت العرب اعلاه و قد تدري او لا  تدري اصل المستحيلات الثلاثة رغم ترديدك لعبارة  (رابع المستحيلات).  هذه هي المستحيلات الثلاثة (الغول و العنقاء و الخل الوفي) و اعلاه قصتها.  

واما (الغول)  فهو كائن خرافي لا وجود له علي الارض كما زعمت العرب وكذا (العنقاء)  واضاف العرب اليهم (الخل الوفي) وقالت (الخل) ولم تقل (الصديق) لان (الخل) اعلي درجة من (الصديق) فذهبت  العرب، بفطنتها و فراستها وذكائها، و قبل اكثر من الفي سنة الي تصنيف (الخل الوفي) كخرافة مثلها مثل (الغول و العنقاء). و القت العرب  باساطير و حواديت و احاجي  (المخاللة و المصادقة)  الي مذابل التاريخ ونظمت ذلك  شعرا ونثرا يتكيء علي جنباته من اكتشف تلكم الحقيقه ولو متأخرا". 

  و يحاول البعض جاهدا" الوقوف  علي  ارضية القناعة  بفرضية وجود (الخل الوفي) فمنهم  (من خذل) و منهم من (من ينتظر).  

 و قد يكتشف احد الواقفين علي الارضية و ذات صباح ، صدقية مقولة العرب،  في انه توسد خرافة مثلها مثل الغول و العنقاء او كما زعم العرب و افصحوا و ابانوا عن ذلك شعرا و نثرا.      

و قد لا يكون  جزم العرب بعدم قناعتها بوجود (الخل الوفي)  حكما مطلقا وانما هي، اي العرب،  تدعو للتدبر  والاحتراز من اصحاب المصالح و اصحاب الاوجه المتعددة ممن يمشون بيننا بالسن معسولة ناعمة و قلوب صدئة و السن تطعن في الظهور .  

 وكل هذا لا ينفي وجود (خل وفي) كحالة نادرة  تستحق الوقوف عندها و دراستها.  الوقوف عندها و دراستها من باب مبدا (كل عام ترذلون) .

مدخل رابع  : (حكمة العرب و فراستها و فطنتها حول المخاللة و المصادقة) 

لعلك  لم تتمعن جيدا  حكمة  العرب و فطنتها و فراستها و ذكائها.  فقد ابانت العرب حقائق عدة حول  (المخاللة و المصادقة) منذ قرون  عددا، لم تعرها انت  اهتماما لتصطدم بها في واقعك الحياتي اليومي فنكتشف ذات صباح  سوء منقلب (لئيم) كنت تظنه (كريم) بعد ان  خدعك  فقدمت له كل ما تملك  و فتحت له ابوابك فخانك و غدر بك و تنكر لك. 

 و ما كنت لتتعرض لمطبات (الخيانة و الغدر و نكران الجميل) لو قرات ما بين سطور العرب بذات (الفراسة و الفطنة و الذكاء) التي قدموا بها خلاصة حكمهم و عصير تجاربهم.    

 قالت العرب قديما  (ولما استد ساعده رماني)، لم تتمعن انت هذه المقولة و لم تتوقف عندها رغم مرورك بها عشرات المرات و كنت وانت تقراها تتخيلها فعلا حركيا دون النظر الي مضمونها المعنوي التشبيهي.  المقولة التي سارت  بين الناس  امثولة  لوصف غدر و خيانة و نكران جميل من احسنت اليه و سندت  ظهره واخذت بيده وقت الضعف  فتنكر لك و طعنك في ظهرك. 

 مقولة العرب تلك  ظلت  حاضرة في صورتها الحركية مثلها مثل الترجمة الحرفية في معاجم الفرنجة.  

 و العرب ظلت تنبهك علي الدوام  الي الحذر من ثلاثية  (نكران الجميل و المعروف و الطعن في الظهر و الخيانة)  منذ قرون عددا،  وفسر العرب قديما (استد)  ب(وصل مرحلة الحذق و المهارة في التسديد)  و تقصد العرب انه لما وصل (اللئيم)  هذه المرحلة  صوب اول اسهم قوسه  لمن علمه الرماية في مثال حي لابهي تجليات نكران الجميل و الغدر و الخيانة في تاريخ العروبة بجاهليتها و اسلامها و ما قبلهما و بعدهما.  

وقال سيدنا علي كرم الله وجهه (احذر اللئيم اذا اكرمته و الرذل اذا قدمته و السفيه اذا رفعته)  فثلاثتهم لا خير فيهم، و اما اذا اجتمعوا ثلاثتهم  صفات في شخص واحد فقد ابتليت و رب الكعبة.   

واما الدليل علي خسة النفس و حقارتها فهي ان  يحسن شخص  إلى أخز فلا يجد منه  إلا نكرانًا  فالنفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الفضل بالفضل. 

مدخل خامس:   (ادب المسيحية و المخاللة و المصادقة )  

و حتي المسيحية، بشقيها البروتستانت و الكاثوليك، استنكرت  (سوء منقلب من اكرمته و قدمته فطعنك بالخيانة و نكران الجميل)  ذلك منذ اكثر من الف و اربعمائة سنة. فاعمل كتاب الفرنجة سيوف اقلامهم و رماحها لكشف هذه الفئة الوضيعة من البشر حتي تتقي مجتمعاتهم براثن شرورها و افاتها (كما سنفعل في هذه السلسلة)  فكانت رائعة شكسبير (يوليوس قيصر)  سيفا مسلطا علي اعناق (ناكري الجميل)، سيف  يقض مضاجعهم لاكثر من الف و اربعمائة سنة.  ذلك عندما تعرض (قيصر) ل (طعنة خنجر مسموم) مثلت الخيانة و نكران الجميل  من مخلصه (بروتس). الطعنة التي تم تصنيفها من (ابشع الطعنات)  و اعتبرت اقبح عملية ( غدر و خيانة و نكران جميل) في تاريخ البشرية (قديمه و حديثه). مشهد الطعن ذاك الذي  قام بتمثيله  تلامذة الابتدائية علي ايام عبود والنميري. 

نعم،  تعرض قيصر لثلاثية (الخيانة و الغدر و نكران الجميل) ممن وثق به  يوما حين خطط و دبر  لقتله  فانهال  عليه بالطعنات ومن الخلف و(قيصر) لم يسقط رغم كل تلك الطعنات في جسده بل  قال قيصر جملته الشهيرة (حتى أنت يا بروتوس).  الجملة التي اصبحت امثولة لتوصيف (الغدر و الخيانة و نكران الجميل).  الجملة التي صمدت امام عوامل (التعربة اللغوية)  لالف وأربعمائة سنة فظلت تتنقل بين الاجيال و اللغات و الحضارات لتقض مضاجع كل ناكري  الجميل بمختلف اعمارهم و اعراقهم و سحناتهم فنكران الجميل لا لون ولا دين ولا عرق له فهو خصلة سيئة تجعل صاحبها ارخص مما يرتدي من ملابس. 

 صمدت عبارة (حتي انت يا بروتس) حتي وصلتنا ونحن في الالفية الثالثة لانها تعبر بقوة عن (بروتس) البائس اللئيم و عن خلو سجله من مجموعة قيم الاخلاص و الوفاء و حفظ الجميل. فالغدر  و الخيانة و نكران الجميل من  الافعال القبيحة  التي لا تغتفر  وان طال الزمن و ان امتد الي عشرات الالفيات.  

 طعنة بروتوس كانت الاخيرة و القاتلة بخلاف كل الطعنات الأخرى. فبروتس لم يطعن قيصر في (جسده) و إنما طعنه  في (شخصه)،   طعنه في (ثقته فيه)،  طعنه في (اخلاصه له) ،  طعنه في (عطائه الكبير له). بروتس طعن قيم (الوفاء و الاخلاص و حفظ الجميل) قبل ان يطعن (جسد قيصر).   

ولعل دراسات ملات سوح الحاضر اشارت الي ان (نكران الجميل و الخيانة)  افعال ذات علاقة عكسية مع الشخصية السوية. فالشخصية السوية  تعف عن هذه الافعال القبيحة.  سنعود الي تشريح تلك الدراسات  تفصيلا مملا للقراء مرفقا  مع مواقف من علي الارض.  

مدخل سادس  : (سيد القبيلة)

كانت  العرب قديما تختار (سيد القبيلة)  بمواصفات اجمعت عليها بليل في احدي دورها التي كانت منتدي يلجا اليه العرب عند الملمات فاجمعوا  ان يكون سيد القبيلة ممن يتصفون بالتسامح و ان  يتقدم الصفوف في الحرب، ان يكون مشهودا له بالشرف والامانة و النزاهة، ان يجير المستجير، ان يكون كريما شهما شجاعا وصفات اخري كثيرة حفظت هيبة سيد القبيلة وقتها في حقبة زمنية ما من تاريخ العروبة بجاهليتها و اسلامها.  

مدخل سابع : (العرب تحذر من غضبة الحليم،  سويد نموذجا)  

وهب  الله  الفصاحة والرجاحة للبعض من خلقه،  لكن صفات سيد القبيلة واخلاقه تمنعهم من اعمال سيوف الكلم في حلوق المتربصين المرجفين وان تستروا خلف وجوه جميلة و السن ناعمة . لكن العرب نفسها التي ظلت تمارس (ضبط النفس في اقصي درجاته) و (التحلي بروح التجاوز) امام (سفه السفيه) هي نفسها دعت الي الحذر من (غضب الحليم)  في جاهليتها و اسلامها. فغضب الحليم ان طفا الي السطح لا يبقي ولا يذر.

مدخل ثامن : (سويد يجلد العدو) 

وابدع  ما كتب العرب شعرا" كان عن (الفخر بالقبيلة) و (اظهار مفاسد وشرور و سوء العدو)  عبر الكلمة ذلك في جاهلية العرب واسلامها فقد قال الرسول الكريم عليه افضل الصلوات واتم التسليم لحسان بن ثابت (اهج قريشا"  يا حسان فان وقع الكلم  اشد عليهم من رشق النبال). في دلالة واضحة علي قوة الكلمة و تأثيرها في (جلد العدو) و (كشف القناع عن وجهه) و (اسقاط ورقة التوت عنه). 

سويد اسقط،  في قصيدته العينية، ورقة التوت عن العدو و كشف حالة (الاضطهاد القسري) التي يعيشها عدوه في حله و ترحاله.  هذا في مقبل الاجزاء.  

مدخل تاسع : (اتق شر من احسنت اليه)

لا تفتح باب بيتك امام  كل من هب و دب  فللبيوت اسرار و حرمات لا يؤتمن عليها  الا القليل.



 

حمدي صلاح الدين 

عضو الاتحاد العام للصحافيين السودانيين 

عضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية  

                                                                                                                   

                                                                             

تعليقات