المسرح وضعفه : لماذا هاجر انطونان ارطو ثقافيا؟

المسرحُ وضِعْفُه: لماذا هاجر أنطونان أرطو ثقافيا؟

د. الزهرة براهيم- باحثة في المسرح والأنثروبولوجيا والديدكتيك- المملكة المغربية

لقد أراد فيلسوف غامض جدا أن يسمي روحا نُبوئيّة حالة معيَّنة من الهدوء الحذر، إذا أمكننا القول، حيث تتخلى أفكارُنا عن كل قوى العالم مثل أوراق الْحَوْر...
إميل شارتييه

يفتح عنوان "المسرح والهجرة" إمكانات مريحة للسفر عبر تاريخ المسرح العالمي لتقصي ظاهرة الهجرة، كمعنى حينا، وكمفهوم حينا آخر. ذلك أن فنّاً جوهره الحركة، لن يكون إلا مهيأ لاستيعاب الهجرة، ليس كموضوع كتابة وحسب، كما التقط ذلك، على سبيل الذكر، عبد الكريم برشيد في مسرحية "امرؤ القيس في باريس"، بل كنزوع نحو تمثلات جديدة أو بعيدة أو غريبة، يقطع صلة الفن المسرحي بنظريات، ظلت طيلة عصور، مهيمنة بمعاييرها وجمالياتها، لكي يَنْحُوَ منحىً مغايرا خلخل مجموع يقينيات شادت صرح الثقافة المسرحية الغربية إلى حدود الحداثة.

إضاءة: الهجرة الثقافية أم هجرة الثقافة؟
في مجال الفكر عموما، والفن خصوصا، يكثر الحديث عن "هجرة الثقافة" بوصفها حراكا تلقائيا حينا، ومقصودا، حينا آخر، يُؤَمِّن توالي المُنتَج الإنساني المادي والرمزي على مستوى تبادلات وتفاعلات تصوغ مثاقفة أو تثاقفا acculturation تَخْرُجُ، في أقصى الحالات، بالفكر من المحلية والجهوية إلى الكونية. في حين تبدو "الهجرة الثقافية" فعلا مقصودا، بسبق الإصرار والترصد، يخطط له إنسان للانتقال العمْدي من نسق ثقافي إلى آخر لأسباب مختلفة. وهنا نود التنويه إلى التمييز الذي ينبغي، في هذا الصدد، اعتماده، بين "ثقافة" culture و"حضارة" civilisation ونحن نستعمل هذا المصطلح الذي لا يعني الشيء ذاته في مجموع التصورات الفلسفية، والسياقات التداولية التي غالبا ما تخلط بين مفهومي "ثقافة" و"حضارة".

نستند في هذا الطرح إلى فكر نيتشه Nietzsche الذي يبدو مؤثرا في مستويات معينة من رؤى أنطونان أرطو Antonin Artaud حول الحضارة الغربية، خصوصا وأنهما عاشا في فترة تاريخية متوالية، ومتقاطعة (نيتشه 1844- 1900) وأنطونان أرطو (1896-1948). فقد امتدت فلسفة صاحب "العلم المرح" إلى فرنسا المستنيرة بالفكر الألماني، ووجدت صدى رنَّانا تجاوبت معه أنساق فكرية شتى إلى درجة أنه شق منعطفات جديدة في منظوراتها الفكرية، والدينية، والفلسفية، والفنية.

حول هذا التأثير، ومن أجل مزيد من الدقة، لا بد من الفصل بين مفارقة الاستعمال الفرنسي والاستعمال النيتشوي للفظي: "ثقافة" و"حضارة" كي نتمكن  من رصد تجليات ذلك في موقف أرطو من الحضارة الأوربية. فـ «بالمعنى الواسع، يطابق المفهوم النيتشوي لـ "الثقافة" ما يعنيه الاستعمال الفرنسي لـ "حضارة". فالثقافة لا تقصد التكوين الفكري، ولا المعرفة، لكنها تشمل المجال المكوَّن من مجموع النشاطات الإنسانية ومنتَجاتها: الأخلاق، والدين، والفن، والفلسفة أيضا، والبنية السياسية والاجتماعية إلخ... إنها تمنح إذا سلسلة التأويلات المميِّزة لطائفة أو مَشْرَكة إنسانية communauté humaine معطاة في مرحلة معينة من تاريخها»1  وتمنح، بالتالي، مؤشرات لتصنيفها، ومداخل لدراستها، ومعايير لتقييم معطياتها بناء على ما تقدمه مُقَدَّراتُها الثقافية من إمكانات مريحة وفاعلة لتحقيق التميز والسمو بالكائن البشري مقارنة بغيره من الكائنات، ومقارنة، كذلك، مع غيره من البشر الذين لا يرقون بمنتجهم المادي والرمزي إلى القمة « فالثقافة تعيِّنُ إذا نسقا محوريا وتأويليا ذا قيمة عالية: مثل الثقافة الإغريقية التراجيدية أو ثقافة النهضة الإيطالية (...) ففي إطار علم النماذج التراتبيّ للثقافات، تتعارض الحضارة، في المقابل، مع ما يسميه نيتشه ثقافة بالمعنى الضيق، أي مع الثقافات العالية، والثقافات ذات القيمة الرفيعة»2
أولا، الهجرة والسفر: من الدلالة المعجمية إلى المعنى الثقافي

تفيد الاستشارة المعجمية دائما في ضبط مدار موضوع الدراسة، والتدقيق في الاستعمال اللغوي للقصدية الفكرية التي تحكم زاوية تناول مختلف العناصر المؤسِّسة لطرح الدراسة، ذلك أن كلمة "هجرة" العربية، التي تم ربطها بكلمة "مسرح" تستدعي منا اليقظة في فحص خيوط هذه العلاقة. 
فكلمة "هَجَرَ"، حسب ابن منظور، من «الْهَجْر، ضد الوَصْل. هَجَرَهُ يَهْجُرُهُ هَجْراً وهِجْراناً: صَرَمَهُ، وهما يَهْتَجِرانِ ويَتَهَاجَرانِ، والاسم الْهِجْرَةُ (...) وقيل: الهَجْرُ السَّنَةَ فصاعداً، وقيل: بعد ستة أيام فصاعداً، وقيل: الهَجْرُ المَغِيبُ أيّاً كان (...) أبو زيد: لقيت فلانا عن عُفْرٍ: بعد شهرٍ ونحوِه، وعن هَجْرٍ: بعد الحولِ ونحوِه. وقال أبو زيد: يقال لكل شيء أَفْرَط في طولٍ وتَمامٍ وحُسْنٍ: إنه لَمُهْجِرٌ. ونخلةٌ مُهْجِرَةٌ إذا أفرَطتْ في الطول (...) والتَّهْجِيرُ والتَّهَجُّرُ والإِهْجارُ: السَّيْر في الهاجِرَة.، وهَجَّرَ القومُ وأَهْجَروا وتَهَجَّروا: ساروا في الهاجِرة... وهي نصف النهار»3.

وتعني كلمة:  immigrer4- التي دخلت المعجم الفرنسي سنة 1838 من اللغة اللاتينية حيث سبق أن استعملتْ هذا اللفظ imigre ابتداء من 1769- «دخول أشخاص لا ينتمون للسكان الأصليين إلى بلد أجنبي من أجل الاستقرار فيه طلبا للشغل. وتكون الهجرة دائمة أو مؤقتة... والمهاجر immigrant (e), immigré (ée): شخص يأتي من خارج البلد الاستقبال، خصوصا من بلد أقل تصنيعا من أجل العمل. ويسمى الجيل الثاني من المهاجرين البرتغاليين والأفارقة والمغاربيين بـ Les beurs. ويسمى المهاجر لأسباب سياسية "لاجئا" réfugier، وتنم الهجرة عن سلوك عنصري، على وجه الخصوص، مع المهاجرين السريين من حيث عزلهم في ملاجئ أو مآوي خاصة. وقد شكلت أوضاعهم التاريخية، والاجتماعية، والنفسية، وانفصامهم الثقافي موضوع كتابات مسرحية وسينمائية عديدة.

وللهجرة مرادفات أخرى حسب طبيعة دواعيها، فتسمى الهجرة بسبب الحرب exode، وهجرات الشعوب الهمجية بـ: évasion. لا تخص الهجرة فقط أجساد بني البشر، بل تخص أرواحهم أيضا migration des âmes كما تقدِّم ذلك معتقدات الإنسان وتصوراته حول مصير كيانه بعد الموت كما هو الحال بالنسبة إلى تناسخ الأرواحtransmigration  الذي يعد حقيقة لدى الهندوس، بينما شكلت فكرة هجرة النفوس من جسد إلى آخر، عند المسلمين، موضوع سجالات تفْنيديَّة تناولها كل باستدلاله من الآي القرآني.

وتتجاوز الهجرة البشر لتشمل الحيوان أيضا كالطيور، والأسماك، وكل ما يعيش في قطعان، وكذا مكونات خلايا الجسم كخلايا الدم البيضاءleucocytes  أثناء تَكوُّن عضو أو خضوعه لاستحالات داخلية métamorphoses، أو هجرة البويضة الأنثوية من المبيض إلى الرحم عبر قناة فالوبtrompe ، ثم هجرة الخلايا السرطانية métastase من نسيج إلى آخر...»5 ويتحدث الطب أيضا عن هجرة الرواسب الكلسية من الكلى إلى المثانة.

وعلى مستوى ثان، يعرِّف الجوهري «السفرُ قَطْعُ المسافة، والجمع الأسفار. والْمِسْفَرُ: الكثير الأسفار القوي عليها، قال: 
لَنْ يَعْدِمَ الْمَطِيُّ منِّي مِسْفَرا *** شَيْخاً بَجَالاً، وغُلاماً حَزْوَرا
والأنثى مِسْفَرَةُ، قال الأزهري: وسُمي المُسافر مُسافراً لكشفِهِ قِناعَ الْكِنِّ عن وجهه، ومنازل الحَضَرِ عن مكانه، ومنزلَ الخَفْضِ عن نفسه، وبروزِه إلى الأرض الفضاء، وسُمي السَّفر سَفَراً لأنه يُسْفِرُ عن وجوه المسافرين وأخلاقهم فيُظهِر ما كان خافيا منها. ويقال: سَفَرْتُ أَسْفُرُ سُفُوراً خرجتُ إلى السَّفَر فأنا سافِر وقومٌ سُفْرٌ... وسافرت إلى بلد كذا مُسَافَرَةً وسِفاراً... والمسافرون جمع مُسافِر»6 ويرتبط معنى السَّفَر بالصبح إذا أَسْفَرَ عند انجلاء دجية الليل قبل طلوع الشمس.

ويحمل السفر voyage دلالتي الذهاب والتنقل من مكان إلى آخر، ويعتبر سانت بوڤ Sainte-Beuve من يسافر كثيرا، ويَعْرِف العالَم رجلا نبيها. ويسمى كشَّافاً أو مستكشِفا أو رائداexplorateur  كل شخص يسافر قصد الاطلاع على بلاد وشعوب جديدة كما في كتابات ماركو بولو Marco Polo، أو ما  يصفه جول ميشلي Jules Michelet في الجزء الثالث من كتابه  Histoire de Franceعن أسفار رعاة الجنوب الموسومة بحرية الانتقال عبر جغرافيا شاسعة ومتنوعة، يرافقون النجوم، ويتمتعون الاكتشاف إلى درجة أنه شبههم في وحدتهم السرمدية بحياة لوط وإبراهيم لكن في الغرب لا في الشرق.7

نلتقط من هذا التتبع المعجمي ما يلي:
1.فعل السفر أو الهجرة يتحقق بفعل الانتقال عبر المكان والزمان،
2.فعل السفر والهجرة ينطلق من نقطة أصل إلى نقطة جديدة أو غريبة،
3.فعل السفر ينطوي على رغبة واختيار،
4.قد يكون السفر سببا في الهجرة، وتصحيح مجموع التمثلات التي نحملها حول الفضاءات الجديدة، أو الثقافات الغريبة،
5.فعل الهجرة ينطوي على اقتضاء قل يصير قسرا وإلزاما،
6.يتجاوز السفر والهجرة ، أحيانا، المعنى الواقعي المادي إلى معان مجردة أو رمزية،
7.السفر والهجرة عاملان أساسان لتحقيق التفاعلات الثقافية وتأهيل البشر لقبول التنوع الثقافي، تدريجيا. 
تتجاوز دلالة الهجرة والسفر معنى الحركة عبر المكان والزمان لتعبِّر عن أمور مجردة، كأفكار، ومواقف، وحساسيات لا تجد مرجعها في حدَث عابر، أو فِعْل عارِض، بل تنبثق مما هو أعمق من ذلك كثيرا، كالنظر الفلسفي إلى قضايا الإنسان، والحضارة، والعلاقة بالفكر، وبالوجود والموجودات، وهذا ما جعل من موقف أرطو ليس مجرد أفكار عادية أو مطروقة، بل حصل التعامل معها كـ "نبوءات" تنزع باتجاه مستقبل مغاير للفن المسرحي داخل أنساق الثقافة الإنسانية.

إن المعجم الذي انتقيناه، مما قدمه ابن منظور في باب "هَجَرَ"، و"سَفَرَ" وما ورد في معجم روبير الصغير، يستجيب إلى مخططنا الفكري لقراءة كتاب "المسرح وضِعْفُه" بكل ما يمثله من هجرة ثقافية غيرت بوصلة الحساسية الفنية لما بعد الحداثة. فما هي الاقتضاءات الفكرية التي دفعت أرطو إلى صَرْمِ علاقته "بالثقافة البيضاء" وإيغاله في تخوم ثقافات ما وراء المحيطات إلى حد اعتناقها والتبشير بها؟

ثانيا، من سفر في الجغرافيا إلى هجرة في الحساسية الفنية

يكتشف المتتبع لحياة صاحب كتاب "المسرح وضِعفُه" (1886- 1948) أن انتقاله في المكان وفي الزمان كان لهما أثر بالغ في حدوث هجرة أرطو الثقافية من حضارة غربية موغلة في المادية والعلمانية، التي دشنها عصر الأنوار، إلى ثقافات مسكونة بالروحانية ومُعَمَّدة بالمقدس إلى درجة لا ينفصل فيها المسرح عن طقس ديني.
لقد كانت البداية من سفره من مسقط رأسه مرسيليا جنوب فرنسا سنة 1920 إلى باريس بعد أن عاش بداية مراهقة حادة، تكررت فيها حالات انهيار عصبي دخل على إثره مصحات النقاهة النفسية، الشيء الذي أعفاه من الانضمام إلى واجب الجندية سنة 1916 خلال الحرب العالمية الثانية.

يصل باريس ورغبته القصوى أن يصبح ممثلا، وقد كان له ذلك بفضل ملامحه الوسيمة، ووضاءة وجهه حيث تلمع عيناه الزرقاوتان، فحقق نجاحا منذ بداياته الأولى في السينما ما بين 1926 و1927. ولم يقنع بكونه ممثلا فقط، فانتقل إلى تجريب الإخراج، وكتابة الشعر في ديوان أصدره تحت عنوان "نَرْدُ السماء" Tric trac du Ciel. وقد ساهم انتماؤه إلى الحركة السريالية، النشيطة خلال عشرينات القرن الماضي، في بلورة رؤاه حول الذات، والفن، والعالم كما يتجلى في كتابه "الفن والموت"  l’Art et la Mort الصادر سنة 1929.

شكلت تجربته مع روجيه ڤتراكRoger Vitrac   وروبير آرون  Robert Aaron في تأسيس مسرح ألفرد جاريAlfred Jarry  محطة أخرى دمغت توجهه المسرحي حيث قام بإخراج أربعة عروض تستحق الذكر، وتعذر إخراج العمل الخامس لتتوقف تجربة هذا المسرح سنة 1930 لتبدأ، بعدها، تجربة "مسرح القسوة" التي دمغها أرطو بنشاط مائز تجلى في عدد من القراءات، والبيانات، والندوات. وقد أفرزت هذه المرحلة كتاب "المسرح وضِعْفه" الذي سيجد تتمته، سنة 1935، في كتاب "آلْ سُنْسي" Les Cencis، وهو عبارة عن دراما تحكي مآسي وجرائم عائلة رومانية نبيلة، حيث كتبها وأخرجها ومثلها أرطو نفسه.

وسيتوِّج أرطو هذا الانتقال بين عدد من المسارح، والتجارب، والكتابات بانتقال خارج أوربا، فكان المكسيك وجهته الأولى حيث سيقيم حوالي سنة ينشط في الندوات والكتابة الصحفية؛ وحينها، بلغ تعاطيه المخدرات أوجه، وفي نهاية إقامته ذهب لتسلق جبال تاراهومارا  sierra Tarahumaraعلى صهوة فرس يقوده دليل، وقد سنحت هذه الجولة بلقائه قبائل الهنود الحمر الذين قبلوه بمفرده كشخص غريب لإقامة احتفالاتهم الطقوسية حول صُبَّار البيوط Peyotl، وقد سجل مجموع ملاحظاته حول رموز هدا الفضاء في كتابه "مِن سفر في بلاد التراهومارا".

عاد بعد هذه السنة إلى باريس حيث وجد عالما يَلْفَظُه ويرفضه، وخضع إلى عدد من العلاجات المضادة للإدمان. دخل أرطو في مشروع زواج فشل سريعا. ومن وقتها دخل العائد في دائرة أفكار نبوئية تمثلت في ما أنجزه من كتابات مثل: "التَّجَلِّيَّات الجديدة للكائن"  Les Nouvelles Révélations de l’Être" التي وقَّعها باسم: المُوحَى به " Le Révélé". سنة 1937، خرج في سفر أسطوري إلى إيرلندا بحثا عن الآثار الباقية من الكهان الغاليِّين القدماء Les druides antiques (نسبة إلى بلاد الغال). أثناء هذا السفر اشتدت نكساته العصبية والنفسية فأحيل إلى المستشفى العام بالهاڤرHavre ، ليتوالى نقله، بعدها، من مصحة نفسية إلى أخرى حتى سنة 1946 حيث عاد إلى رودز Rodez في ظروف صحية مأزومة، وأوضاع سياسية فادحة بسبب مخلفات الحرب العالمية الثانية، لكنه مع ذلك قاوم صعوبة حالته ليكتب بقلم خصب أنسل: "أرطو الطفل"Artaud le Môme ، و"هنا يرقد"Ci-gît  المسبوق بـ "الثقافة الهندية"، و"ڤان غوغ قتيل المجتمع" Van Gogh le suicidé de la société. وقبل انطفاء نجمه فجر الرابع مارس 1948، قدَّم أنطونان أرطو برنامجا إذاعيا يحمل عنوان:Pour en finir avec le jugement de Dieu  تم منعه.

ثالثا، نَبْذ الأعمال الخالدة تأبين للنقد الأدبي وتبشير بالنقد الثقافي

لماذا قال أرطو في صدد حديثه عن الثقافة: «أعتبر العالم جائعا، ولا يكترث للثقافة، ويبدو مصطنعا تحويل أفكار الناس صوب الثقافة، في أنها ليست موجهة سوى نحو الجوع»؟8 

هكذا تساءل عن حال الثقافة الغربية التي، في نظره، لم تستجب مطلقا لحاجيات الإنسان الحقيقية حتى يحقق ما من شأنه أن يسعده ويحقق رفاهيته المادية والفكرية ليُقْبل، بشكل حقيقي، وتلقائي، وسليم على الثقافة، كما هو الوضع القائم، في المجتمعات الغربية، على الخلط الناجم إما عن «قطيعة بين الأشياء، والأقوال، والأفكار، والعلامات التي تمثلها... وإما أن الأنساق الفلسفية موجودة بداخلنا، ونحن مُشْبَعين بها إلى درجة أننا نحيا بها، فما أهمية الكتب إذا؟ وإما أننا غير متشبعين بها، فلا تستحق أن نحيا بها، وعلى أية حال، فهل من أهمية لزوالها؟»9

وانطلاقا من هذه الاحتمالات، يلح أرطو على «أن تصير فكرة الثقافة المتحركة بداخلنا مثل عضو جديد، ونوعا من نَفَسٍ ثانٍ: فالحضارة هي الثقافة التي نطبقها، والتي تتحكم في أفعالنا الأشد براعة»10.

وبناء على هذه القناعة، لا يخفي رفضه للأعمال الخالدة التي تعتد بها الثقافة الأوربية كتراث شكسبير أو موليير وغيرهم، ويرى أن موقعها الحقيقي في رفوف التحف، وأرشيف الإبداع، فهو يدعو إلى «القطع مع فكرة الأعمال الخالدة هذه المخصصة لنخبة مزعومة (...) الأعمال الخالدة المنتمية إلى الماضي هي صالحة للماضي (...) إنه من البلادة محاسبة عامة الناس على عدم امتلاكهم الحس السامي... فإذا لم يفهموا، مثلا، مسرحية "أوديب ملكا" فإنني أجرؤ على قول إن الخطأ ليس خطؤهم، بل خطأ "أوديب ملكا"» 11.

ويُرْجِع أرطو أسباب عدم أو غموض الفهم هذا في ثبات هذه الأعمال الخالدة على مستوى من المعايير الجمالية التي تظل حبيسة الماضي، ولا تساير تطور الزمن. لذلك، ينبغي، في نظره، تجاوز النصوص الشعرية المكتوبة، بل تحطيمها، ولْيُفْسِحِ الشعراء الموتى المجال للشعراء الأحياء. وإذا  كان قرفه من الصيغ المسرحية الكلاسيكية قد نبهه إلى منافذ جديدة لخلاص هذا الفن من ربقة الماضي ومقولباته، فإنه لا يؤمن بأن الحضارة ينبغي أن تتغير حتى يتغير المسرح. لهذا، يقترح "مسرح القسوة" ليحدث زلزالا داخل مساحة اللعب حيث لا وجود إلا لطاقات الجسد المتحرر من ابتذال النص، وتكرار حواراته، واجترار أفكاره.

فحين ينتفض أنطونان أرطو ضد استمرار الدراما الكلاسيكية خلال القرن العشرين، -وهي التي تعود إلى القرن السادس عشر، كما هو الحال في أعمال شكسبير، وإلى نظيرتها في القرن الثامن عشر كما يبرز في كتابات موليير- فلأنه مقتنع بأن الإبقاء على هذه النماذج والمقولبات لا يخدم في شيء حاجة الفن المسرحي بعد خضوع العالم، والفكر، والذوق لارتجاجات عميقة بسبب الحروب، وسلطة الرأسمال، وطغيان المد اللائكي، وانشطار جغرافيا بني البشر إلى مناطق نفوذ واستغلال لصالح قوى الغرب المتمكن علميا وتكنولوجيا.

وإذا كان الرأسمال اللغوي بمُقَدَّراته البلاغية هو ما شاد صرح كلاسيكيات المسرح الغربي، فإن اللغة اللسانية صارت عاجزة عن تحقيق وظيفتها التواصلية بين الناس، وعدم قدرتها على توفير تناغم أو تعايش بينهم، وبالتالي، فإن المنطوق اللساني قد أبان ضآلة حظوظه في تأمين ما هو موضوع له في الأصل. وإلا بم نفسِّر كتابات مسرحيي الطليعة أمثال صمويل بيكيث S. Beckett، ويوجين يونيسكوE. Unesco ، وأرثور أداموڤA. Adamov ، وألفرد جاري  A. Jarry الذين سخروا من اللغة اللسانية وقاموا بخرقها، تارة بالإسراف في توظيف لغة بُرازِيَّة، وأخرى في ابتكار سجل لغوي لم يتواضع عليه البشر من قبل؟ إن هذا الموقف المتمرد يندرج فيما يراه عبد الله العذامي تحريكا لـ «أدوات النقد باتجاه فعل الكشف عن الأنساق وتعرية الخطابات المؤسساتية والتعرف على أساليبها في ترسيخ هيمنتها وفرض شروطها على الذائقة الحضارية للأمة»12.

تجد فكرة التحرر هذه امتدادها في ربط أرطو بين المسرح والطاعون الذي عايشه في مسقط رأسه مرسيليا. لقد أدى وباء الطاعون المنتقل إليها من الشرق، عبر سفن المهاجرين- الذي بدا له هجرة قسرية من نظام الأشياء واستوائها إلى اضطراب وفلتان غيَّر حال البشر، ووجْه المدينة- في شحنه بأفكار غذَّت فلسفته المسرحية حيث ينبغي، في رأيه «أن نقبل، قبل كل شيء، أن يكون اللعب المسرحي هذيانا، وأن يكون مُعْدِيّاً كالطاعون»13. كما وجد ذلك في الفرجة البالينية، ولم يعثر على أثر له في المسرح الأوربي طيلة اشتغاله ضمنه كاتبا، وممثلا، ومخرجا. ولا يمكن للمسرح أن يصير كالطاعون إلا إذا انطوى على قوة لقلب الأوضاع، والأشياء، والحالات، والأفكار، وأن يكون بداخله طاقة من الإحساس بالانتصار والانتقام. لكن هذا التصور لا يعني أن يكون المسرح موجَّها لمساءلة أو علاج الحياة النفسية للجمهور، بل إن «مجال المسرح ليس بسيكولوجيا، ولكن تشكيليا وجسديا، ينبغي قول هذا. فلا يتعلق الأمر بمعرفة ما إذا كان يتعلق الأمر بأن تكون اللغة الجسدية قادرة على بلوغ نفس الحلول البسيكولوجية كما لغة الكلمات.»14

ألا يحق لنا أن نعقِّب على فكرة أرطو، هذه، بأنه يبدو طوباويا حين ينتصر لقيام مسرح بدون لغة كلامية، وذلك في وقت كان العالم، بأنظمته السياسية وقواه الاقتصادية، قائما على سلطة الكلمة وقوة أثرها في تحقيق الزعامات والقيادات الحربية الحاسمة كما في خطب هتلر وموسوليني؟ وبالتالي، كيف يمكن للفن، وقتذاك، أن يجد، بلغته الجسدية والرمزية المقترَحة من لدن أرطو، موطئ قدم في حياة عامة الناس، والناس عامة؟

يرفع أرطو هذا اللَّبْس في رسائله إلى جان بولانJean Paulhan  وبنجامين كريميوBenjamin Crémieux  حول الكلام Lettres sur le langage ليوضح مطلبه من لغات التواصل المسرحي حين يقول « لا يتعلق الأمر بحذف الكلام المُبِينِ langage articulé، ولكن بمنح الكلمات  الأهمية التي تملكها داخل الحلم تقريبا» 15فلم تعد، وفق قناعته، للغة اللسانية القائمة على تلوينات البلاغة أهمية وسحر أمام اللغة العفوية الطبيعية المنثالة من جسد يعطي كل ما يملك داخل مساحة اللعب. إنها هجرة من المحدود والمنتهي المطوَّق بقواعد اللغة إلى اللامحدود والمطلق الذي يخلق إشاراته، ويوغل في رموزه كما هو الحال في الفرجات الشرقية التي تربت في رحم ثقافة ذات ظلال وأقواس القزح، خلافا للعروض المسرحية الغربية حبيسة معايير دوغمائية، لأنها تنتمي إلى ثقافة عارية لا ظلال فيها ولا ألوان طيف. ويقصد أرطو بالثقافة ذات الظلال تلك الملامح السحرية الموجودة في الشرق، وفي مجموع الثقافات الملوَّنة التي لم تقطع الحداثة العلمية، والفلسفية، والتكنولوجية صلتها بالمقدس وبالأصول، بعدُ، إما لأن سفن الأوربيين لم تصل قطُّ مرافئها، أو لأن تشبث أصحابها بمنابعهم الثقافية أقوى من غزو الثقافة البيضاء.

يُفَصِّلُ الحديث حول هذا المطلب الذي يراه مُلِحّاً للثقافة البيضاء، وذلك في إطار مقارنته بين المسرح الغربي والمسرح الشرقي الذي بهره بما يبذله المؤدي الباليني فيزيقيا، وروحيا أمام عين المتفرج من دون اللجوء إلى استهلاك المنطوق اللساني الذي لا ينبع من جوانيته، فلا يمس، بالتالي، مشاعر وأمزجة المحيطين به من مؤدين وجمهور فـقد «كان من وحي المسرح الباليني أن يمنحنا فكرة فيزيقية لا لفظية عن المسرح»16 إنه هجرة من النص إلى الجسد، أي ونزوح من الكلمة في اتجاه الأداء. إنه تحَلُّلٌ من عقيدة واعتناق أخرى.

تبدو أفكار أرطو النبوئية سابقة عما دعا إليه النقد الثقافي الذي عرف انطلاقته منذ 1964، ليبلغ أوجه خلال تسعينيات القرن الماضي. ألم تشكل رؤاه للفن المسرحي منطلقا تبلور به النقد الجديد الذي لم يعد مجرد نظر جمالي للنصوص بل تعداه إلى «نقد الخطابات الثقافية والأنساق الذهنية»17 كما اشتغل بذلك رولان بارت وميشيل فوكو؟
أليست "الأعمال الخالدة" Les chefs-d’oeuvre واحدة من ألاعيب المؤسسة تُحْكِمُ بها سيطرتها على الفكر والذوق العام؟ ومن تم، ألا تكون جماليات الفعل الإبداعي والمعايير التي تشكلها واحدة من أدوات التحكم في المنظورات، وضبط تمثلات الفرد لمجموع الشروط الموضوعية التي توفرها الطبقة المهيمنة لتُبقِيَ نفوذها مستمرا وموَطَّدا؟

هل وفرت الحداثة الغربية للإنسان ما بشَّرت به على مستوى خطابها الفلسفي، والسياسي، والاقتصادي، والفني؟

يُدين أرطو نصوص الدراما، ويجد في الكتابة نوعا من الشطط في استعمال سلطة الأنساق المهيمنة ضمانا لبقائها، فيعلن رِدَّته بهجرة ما هو حداثي في اتجاه ما هو بدائي. لقد سئم من نسق مسرح يكبت الفنان ويحرمه هذه العفوية المتدفقة التي يتمتع بها من سماهم «الهيروغليفيات ذات البعد الثلاثي المزينَة، بشكل زائد، بعدد معيَّن من الحركات، والعلامات الغامضة التي تطابق حقيقة عجيبة وغامضة لا ندريها - نحن ناس الغرب- حيث كبتناها نهائيا.18 ويفسِّر، في هذا الإطار، ما يراه هجرة من العلامات المادية إلى العلامات الروحية في المسرح، ومن الوعي إلى اللاوعي، ومن البشري إلى الفوبشري surhumain.

يتميز موقف أرطو بما يمكن أن نسميه "مواجهة كونية" ليس لمؤسسة سياسية أو سلطة مذهبية، وإنما هو بيان عالمي لفضح مخططات الثقافة البيضاء لطمس "الثقافات الملوَّنة" داخل مستعمرات أوربا.
إنه الموقف الذي يعلن نهاية حد وبداية حد آخر.

فالنقطة الفيصل بين ما تشرَّبَه أرطو من معين الثقافة الأوربية فنا وفكرا، وبين ما نزع إليه في خامات الثقافات الآسيوية حين قارن بينها وبين الثقافة الغربية، والثقافة الإسلامية حين يستحضر رقصات "الدَّراويش" و"عِيساوَة"، ونظيرتهما المكسيكية، لمَّا يستجلي الأبعاد الروحية للهنود الحمر وهم يمارسون طقوسهم العَقَدِيَّة خلال معيشهم اليومي الذي لا ينفصل في شيء عن المناخ الرمزي والسحري الذي تأخذ فيه الذوات والموجودات بعدا مقدسا، أليس هذا ما يحق لنا أن نسميه "هجرة ثقافية" بكل ما تحمل لفظة "هجرة" من دلالات التخلي، والنأي، والتحلل من حال للدخول في حال آخر. معنى هذا الكلام أن أرطو، من صلب موقعه الثقافي داخل المؤسسة الفنية الفرنسية، تحديدا، والتي كانت تُعتبر، وقتها، رائدة الفكر الغربي، قد اقتنع بأنه بلغ حده داخل هذه المؤسسة التي ما عادت تستوعب انطلاق تمثلاته للفن، خاصة، وللفكر وللحياة، عامة... بهذا يفتح أفقا لما بعد الحداثة، وما بعد البنيوية في المسرح، وبيانا صريحا وشجاعا لرفض الحضارة البيضاء الذي بلغ قرفه منها حدا لا يوصف حتى سماها "شرّاً أبيضاً"، فلا يختلف في هذا عن نيتشه الذي استخلص من دراسته للحضارة الأوربية ودعاتها، أنها «تتغيا كَسْرَ الرجال الأقوياء والناجحين، عبر تأنيس الإنسان apprivoisement، وتدجينهdomestication ، وترويضهdressage  (...) إن عصور التدجين التي أُرِيدَتْ وتَمَّ تحقيقها ("حضارة") الإنسان هي عصور عدم التسامح تجاه الطبائع الأكثر روحانية، والأكثر شجاعة، وأيضا تجاه منافسيهم الأكثر عمقا»19.

نستأذن، إميل شارتييهEmile  Chartier (1868- 1951) المشهور بـ ألان Alain، الذي كان معاصرا لهذا اللاجئ ثقافيا، في استعمال كلمتي "علاج" cure و"نظافة"hygiène  - كما حدد مفهوميهما في فلسفته المؤمنة بالأمل والسعادة 20 - حتى نفسر رؤى أرطو في بحثه عن حياة طبيعية، وحقيقة، ومريحة للإنسان عبر تمثل مغاير للمسرح، ومن تم فهْم الأسباب الكامنة وراء رغبته الجامحة في التخلي عن النماذج المسرحية الغربية، واستيحاء تجارب غريبة عنها تماما، بمستطاعها أن تعيد لهذا الفن حرارته، وحيويته، وسحره.

خلاصة: 
ما بين جرأة أرطو وجدارته في أن يكون نبيّاً لعقيدة جديدة في الفن المسرحي، خيط رفيع وقوي، ولا مُنتهٍ. 
مِنْ قائل: إن ما اشتملت عليه أعماله الكاملة من أفكار ورؤى مستقبلية تخص ممارسة فنية مغايرة تكون لصيقة بجلد الإنسان، وأنفاسه، ومخزونه الروحي والرمزي، هي مجرد استيهامات وفرضيات مستحيلة التحقق، لا سيما حين يحصل اعتبارها انزياحاتٍ فكريةً لاواعيةً حدثت تحت تأثير المخدرات التي تعاطاها الفنان طويلا، إلا أن قراءة "فكر أرطو" أو "شعريته المسرحية" كحساسية جديدة وجريئة، تمردت على واقع الخارطة الأوربية، المختلة أنساقُها بفعل ظروف الحروب العسكرية، والحروب الثقافية التي ما انفك الإنسان الغربي- الذي يقدَّم نفسه "كفحل حضاري"- يثيرها لاكتساح مجموع العالم، والتحكم في موارده المختلفة عبر تأمين استمرارية نماذجه، يدعونا إلى قراءة جديدة لهذه الأنساق، وهذه النماذج بأدوات محايدة، واعتبار الديموقراطية الثقافية حقا مشروعا من شأنه أن يحوِّل اتجاه بَوْصَلة الثقافة من الجنوب إلى الشمال، وإلغاء التأشيرات الفنية. فكيف سنعمل على استثمار هذه الحساسية الأرطية في إنصاف التنوع المسرحي، وتمكين عدد من فنون الأداء، المنتمية إلى ثقافات الهامش، وإلى الثقافات الصغيرة، من ولوج ثقافة المركز؟

أيمكننا، مِثْلما فعل أرطو، أن تتخلى أفكارُنا عن كل الكلشيهات المحفورة في ذاكرتنا المسرحية، مثلَ أوراق الْحَوْر، لتُبَرْعِمَ في تصوراتنا نبوءاتٌ فنيةٌ منتظَرة ؟

هوامش الدراسة :
1-Patrick Wolting- Le vocabilaire de Nietzsche- Ellipses Éditions 2013- Paris, P. 28. 
2-Ibid- P 30.
3-ابن منظور- لسان العرب- دار صادر- بيروت، لبنان- طبعة 1992- ج 5- ص ص 250- 257.
4-PAUL ROBERT- LE NOUVEAU PETIT ROBERT- Édition Juin 1996- Paris- P 1129. 
5- Ibid- P, 1405-1406. 
6-ابن منظور- لسان العرب- مرجع مذكور- الجزء 4- ص ص 367- 371.
7-PAUL ROBERT- LE NOUVEAU PETIT ROBERT, Ibid, P, 2418.
8-Antonin Artaud- Le théâtre et son double- Folio Essais- Éditions Gallimard, 1964, P, 11.
9-Ibid- P, 12.
10-Ibidem- P, 12- 13.
11-Ibid, P, 116.
12-عبد الله العذامي- النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافية العربية- المركز الثقافي العربي- الدار البيضاء، المغرب-الطبعة الرابعة 2008- ص 13.
13-Antonin Artaud- Le théâtre et son double- Ibid, P, 39.
14-Ibid- P, 109.
15-Ibid- P, 145.
16-Ibid- P, 105.
17-عبد الله الغذامي- النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافية العربية-   مرجع مذكور، ص 20- 21 (للتوسع، أنظر فصل ذاكرة المصطلح)
18-Antonin Artaud- Le théâtre et son double- Ibid, P, 93.
19-Patrick Wolting- Le vocabilaire de Nietzsche- Ibid, P, 23.
20-Alain, Emile Chartier- Propos sur le bonheur- Éditions Gallimard 1928, 1mpression Novoprint à Barcelone 15/Nov/2013, P, 170- 171- 172.

تعليقات