أين؟

من روائع المسرح التونسي :  "عَرَبْ "
   لمجموعة " المَسْرَحِ الجَدِيد"
                                      بقلم محمد مومن

ملاحظة :
  نشر هذا المقال باللسان الفرنسي في الجريدة اليومية " لُوتَانْ " [Le Temps]، يوم السبت ١٣ من شهر جوان٧ ١٩٨،   عنونته : " الركح ساعة الأساطير الكبرى" . وإليكم   مقطعا مترجما منه.

                                  أين؟
      الزمن الأسطوري يناسبه الفضاء الأسطوري.
      وفي ذلك الزمن الأول، زمن ما قبل الزمن، في بداية   البدايات لم يكن هناك سوى هذه الصحراء التي لا طرف لها، أين لا حياة فيها لمن تنادي، أين لا يصفر غير الفراغ والخواء، أين لا تعوي إلا الرياح، رياح الموت والفناء. أيننا نحن، رباه أيننا؟ هذا السؤال الذي يبدو في الوهلة الأولى سؤالا حائرا لا جواب له سيجد شبه جواب : سيوحى إلينا أننا في مكان موحش غير أنيس لا أنس فيه قبل مجيء الفارين المطاردين، " قُرَيْش" وجماعته. من البين، أننا في مكان هجرته حتى الوحوش، ونسيه الأنس وبني الإنسان، ونفرت منه الملائكة والآلهة. أيننا؟ في مكان ليس مكانا حقا. ربما كان ما يشبه المكان، أقرب إلى ما يسمى عند " مَارِكْ أُوجْيِي " ب " اللا َّمَكَان "، أي ذلك المكان الذي يبقى غير محدد جغرافيا والذي لا يتموقع موقعه بالوضوح الكافي فيظل " بَيْنْ بَيْنَ"، لا ينعت ولا يتحدد ببساطة أو سهولة لأنه غير مركب - كنيسة وغير كنيسة، ملجأ وغير ملجأ بما أنه لا يحمي كما يجب من يحتمي به فيه- بل هو مكان يعرف سلبيا وحتى ب "سلبي السلبي" (لا هذا ولا غير هذا).  المكان في " عَرَبْ" هو مكان اللا مكان، أي في آخر المطاف يمكنه أن يكون صورة من صور المستحيل. وهو مكان لا اسم له، أي هو ما لا يسمى. وهذا اللا مسمى هو تجسيم لغياب المكان لأنه تجسيد لمكان الغياب. وما العروبة؟ أليست في أصولها ترحالا دائما دائبا، لا تعرف الاستقرار والسكن. التيه يعرفنا والتنقل من أرض إلى أرض في تاريخنا والبحث عن المراعي من وادي إلى وادي في عاداتنا. لقد أضعنا المكان وفقدناه. نعم، ضاع شرقنا وقد ظنناه مكاننا، حسبناه مقامنا المناسب والأليق بنا لكننا أضعناه. وخسرناه. لم يعد في هذي الدنيا مكان لنا؟ إن كان لنا مكان كما مازلنا نقول، فأينه؟  تقول " عَرَبْ" : إن كان مازال لنا في هذا العالم، عالم اليوم مكان فأينه؟ دلنا عليه، أنت يا من تعرفه!  أينه، أين؟  " عَرَبْ " لا تتردد في طرح هذا السؤال الموجع     وقلبها يدمي، يحترق لوعة على ما آلت إليه أحوالنا. بالنسبة لها لا تتحدد هويتنا العربية المعاصرة إلا من وجهة نظر تقوم على منطق مكاني : أيننا؟  " عَرَبْ " تعوض السؤال التقليدي حول الهوية، "من نحن؟"، بسؤال أكثر معاصرة - بما أن فكر الحداثة فكر ينهض أساسا على فكر الفضاء- وهذا السؤال هو : "نحن العرب أيننا؟ في أي فضاء، نحن؟" لكي نقتنع أكثر ربنا كان علينا أن نتذكر السؤال الذي ما فتئت تطرحه "حورية"، مضيفة الطيران لكل من يعترضها : " أين سيف؟". أجل : أين عروبتنا؟

تعليقات