الليل

من روائع المسرح التونسي :  "عَرَبْ "
   لمجموعة " المَسْرَحِ الجَدِيد"


ملاحظة :
  نشر هذا المقال باللسان الفرنسي في الجريدة اليومية " لُوتَانْ " [كلLe Temps]، يوم السبت ١٣ من شهر جوان٧ ١٩٨، وأتى تحت عنوان : " الركح ساعة الأساطير الكبرى" .


                      اللَّيْلُ
       الأشياء تبدأ إذن بالفراغ. هذا الفراغ سيأخذ إسمه لاحقا : إنه تلك الثرثرة. وسيجد شكله الجسدي : الموت. ثم إنه سيجد صورته المادية : الرماد. لن نتطور في " عَرَبْ" إلا من الرماد - غبار الصحراء الأولى  المُشَارإليها بالريح - إلى الرماد - غبار الموقد الذي نراه ينطفىء في الختام. من الغبار  نعود إلى الغبار. من التراب إلى التراب. بين الرماد والرماد، ستكون حكاية كل تلك النار، كل تلك العذابات التي ستذهب سدى، كل تلك الطاقة التي ستشتعل وستحترق ثم تذهب هباء منثورا، كل ذلك الإفناء، كل ذلك التبذير والتبديد الضائع عبثا. تضعنا هذه الصور أمام المسار التي تعرفه كل الحياة، حياتنا جميعنا. ثم إننا أمام مسيرة مصير يعرفه حتما كل عمل خلق وابداع. أليست الحياة والفن هما أيضا ذلك اللهب العظيم الذي يشتعل ويتقد لينتهي فيخفت وينطفئ، يذوى ويذوب - ربما لتبعث أرواح وإنسانيات أخرى جديدة. هذا، كل هذا، يخول لنا القول إن " عَرَبْ " عالم يسبح في بحور تكتنفها الظلمات، فنحن لا نخرج من الليل. إننا سجناء الليل. يقول قُرَيْشْ"  ل "حُورِيَةَ" : " هْنَا، الصْباَحْ مَا يِطْلَعْشْ" )هُنَا، الصُّبْحُ لاَ يَطْلُعُ ). أن تحيا، يعني أنك تعيش في الليل. الليل الدائم. والحياة ليست سوى رحلة برقية، إنها برق يضوي وينطفئ. هل هناك مسرحيا أجمل من ذلك العبور البرقي (الخاطف للغاية) الذي يقوم به " مَنُّوبِي " في فاتحة المسرحية قاطعا الركح جيئة وذهابا على ظهر حصانه " الشَّارِفْ "؟ ذلك العبور البرقي هو الحياة. ذلك الهروب، وذلك الفرار المدوخ، تلك هي الحياة.
نحو هذه القمم الميتافزيقية ترتفع " عَرَبْ". نعم.

تعليقات