الركح زمن أول الأساطير

من روائع المسرح التونسي :  "عَرَبْ "
   لمجموعة " المَسْرَحِ الجَدِيد"

ملاحظة :
  نشر هذا المقال باللسان الفرنسي في الجريدة اليومية " لُوتَانْ "  [Le Temps]، يوم السبت ١٣ من شهر جوان٧ ١٩٨، و أتى تحت عنوان : "سفرات في أقصى عروبتنا". هذا العنوان الجديد موضوع حديثا. 

 
الركح زمن أول َالأساطير     
               
        
       لقد غامرنا، في حركة أولى لقراءتنا ل" عَرَبْ"، باستخراج بعض الأغراض الرئيسية الحاملة للمسرحية الجديدة الممضاة من ناس" المسرح الجديد". وفيما هي تقاسيم نَغَمِيَتُهَا سياسية تعالج عروبتنا التي لا تُعَالَجُ  وتبحث في كائننا الحضاري الذي يشقى لكي يستوي، زعمنا أنها عمل هو في الختام حلم الأرض  يُغَذِّيهِحلم النار ساعة يصير رمادا. ولقد أكدنا، وفي الاتجاه نفسه، أن " عَرَبْ" قصيدة درامية وملحمية  أُوديسِيَّة يُنَشّطُهَا خيال  دِيُونِيسِي يحتفي بالفيض والفيضان والإفاضة ويتغنى بالغلو والاسراف والإفراط. ونود بالتحديد هنا أن نقرأ هذه التقاسيم – وهي مشهدية سمعية، وهي بصرية سنفونية- كما شاءتها " عَرَبْ"  ووَدَّتْ توزيعها ". 
اللاشيء
      في البدء، كانت الريح. كان  العواء الأصلي، وكان التوجع الأول. نستمع للفراغ.، نرى الليل ونرى الظلام. انظر! ألا ترى  في البداية إلى هذا الاتساع الفارغ للفراغ، وهذا اللامتناهي للعدم. في البداية، كانت هذه الفيافي والصحاري التي لا حدود لها، كل هذا الحزن : نرى، في كل هذا السواد، الموت تمشي.
    وهي تنفتح على جميع الرياح، نرى " عَرَبْ" تنبع من الفراغ  جاعلة مصدرها العدم ومبعثها اللاشيء. إنها تأتي إلى الوجود من الفراغ والخواء والعدم- وهذه صورة للإبداع الفني والخلق الكوني. نستمع إلى الريح ونرى سواد العدم وقتامته، نرى العدم، أجل. وهذا، كل هذا يبشر بالقادم من السواد والعتمة، يتنبؤ بالألوان الحالكة المقبلة :  الأحداث (الدراما) التي سنشاهدها ليست شيئا، بل هي اللا شيء عينه.
نرى لا شيء، لا نرى شيئا : ولو رأينا شيئا، لرأينا الليل. نخطو خطواتنا ونمشي في السواد. نسير في العمى. هذه الدراما-الذي سنشهدها وسنشهد عليها – إنما رواية نثرية لعِمًى. كل هاته الشخصيات، "قريش" والبقية الباقية، عُمْيٌ. هم في  العَمَى. العمى المطلق. إنهم مسافرون في الليل.
    في البدء، كان الريح وكان الليل، ليل كل شيء. إنها الموت تمشي. " عَرَبْ" تنفتح وتنغلق على العدم. كامل المسار الذي ترسمه هذه المسرحية مسيرة من الموت إلى الموت. رباه! كل هذا العنف والصخب من أجل لا شيء. إنه إنفاق بلا قيود، إنه إهدار. والنتيجة إفلاس وخسران. أليس هذا العبث عينه؟ إنه العبث عينه.

تعليقات