المبخوت وجائزة الملك فيصل في ميزان منجي الكعبي1

جائزة الملك فيصل في ظل الأزمة العالمية

بقلم الدكتور المنجي الكعبي

بخصوص جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية، في موضوع تحقيق التراث لهذا العام، وبعد ظهور النتائج، لا يسعني إلا التنويه بالجامعة التي رشحتني، وهي جامعة الزيتونة، والشكر لرئيسها الدكتور هشام قريسة الذي بادر بدعوتي لتقديم الملف.
ولعلني سوف أكون أكثر فرحاً بالترشيح، لأن الفوز لو حصل لا يكون بطبيعة الحال معادلاً أو من جنس الفرح والاعتزاز والفخر الذي أشعر به الآن؛ لأن المؤسسة التي رشحتني، ولم تتردد في حظوظي، قد تكون الخبرة بسياساتِ مثل هذه الجوائز هي التى أعوزتها. ومنها ملابسات الدعوة، التي توجَّه في بلد بعينه، الى عدد من المؤسسات فيه لترشيح من تراه.
وربما أخطأت هذه الجهة أو تلك حين لم تؤثث للترشيح بما كان ينبغي لها أخذه بعين الاعتبار فيما سوى الشروط المؤهلة للجائزة. أقصد الاعتبارات التي تبقى في خانة المنطقة الخاصة للهيئة الأميرية المشرفة عليها. ولا يمكن أن تغلّب هذه الهيئة تقرير اللجنة التي يُعهد لها بالنظر في قبول الترشيحات وتبويبها، وليس ما دون ذلك، كالاهتمامات السياسية والاجتماعية والمذهبية والظروف الراهنة للبلد المانح والجهة الرسمية المانحة، فهو محجوب. حتى أنه يصعب الاعتقاد أن أعضاء اللجنة أنفسهم، مهما يكن ولاؤهم للعلم لا يكون حاضراً في أذهانهم تعيينهم في ضوء تلك الاعتبارات. 

وجائزة بحجم مملكة، كالمملكة العربية السعودية، وبحجم هيئة أميرية تمنحها، وبأبعاد عالمية كما يشير اسمها، لا يمكن أن تُمنح في غياب كثير من القراءات؛ والتي قد لا تقرأها بالمقابل المؤسسات والدول المرشحة لها؛ أو لا يقرأها أحياناً الأعضاء الفرديون المتقدمون لها، وإن راهنت مؤسساتهم على تقديم الاستجابة للدعوة قبل قراءة أي اعتبار قد يدخل في نسيج منح الجائزة لذلك العام، حتى لا تصبح مفاجأة عليها لا لها.

فلا يخفى ما للزيتونة، وتونس التي تمثلها هذه الجامعة، من موقف من الوهابية؛ أو موقف يمكن أن تقفه مؤسسة من مؤسساتها العلمية أو مراكزها البحثية من مناهضة للإرهاب الإسلامي؛ أو موقف يدعم المعاصرة والتحديث، قد يصل الى حد تجاوز الخطوط الحمر، كما يقال، دفعاً للتطرف في الطرف الآخر، المسمى أحياناً بالدعوة السلفية؛ أو موقف مساند للخط السياسي والاجتماعي الذي تقفه الدولة المرشِّحةُ، بعضُ المؤسسات فيها، لشخصية غير جدالية في مراميها، وغير مصنفة في خانة غير المرضي عنهم داخلياً وخارجياً، بخطها الايديولوجي، بالتقابل لشخصية، لأسباب قد تمس بسمعة الجامعة التي تمثلها، فيما لو رفضت الجائزة احتجاجاً لأحداث أو استنكاراً لموقف سياسي أو إنساني؛ كما حصل في جوائز عالمية كثيرة، كجائزة نوبل حين منحت لسارتر أو ردّ الوسام الفرنسي لطه حسين احتجاجاً على حرب الجزائر.
***
التكريم الداخلي الغائب

والفكرة أنه، لما رآني رئيس الجامعة خلواً من كل تكريم بمناسبة نشري وتحقيقي لتفسير الشيخ السياري وتكميل ضائعه؛ ذلك المرحوم إمام باجة ومصلحها الذي ظلمه العهد السابق والذي قبله، لزيتونيته وأصالته في بيئته العربية الإسلامية؛ ولم يرفع عنه الغبن الا الثورة، التي أطاحت برؤوس الفساد والانحراف الديني والاخلاقي وأصحاب العصا الغليظة على رقبة المجتمع.
وليس فقط علمه بذلك، ولكن كالتعويض بتقديره عن غبن لمسه، من تجاهل بعض دوائر القرار في بنك الزيتونة الإسلامي، الذي يبسط سلطته الدينية على ماليته الشيخ المختار السلامي ويحتكر جائزته هناك المسماة باسم الشيخ الطاهر ابن عاشور، لنفسه وتفسيره الذي ظهر بعد ذلك في منافسة لتفسير الشيخ السياري. ولم يلمس رئيس الجامعة ذلك عن بُعد، بل لأنه عضو بلجنة هذه الجائزة التي بقيت لم تفعّل، كأنما للغرض.
***
ولم يكن لي ظن سيء أبداً بالجوائز، من نوع جائزة الملك فيصل أو غيرها في دول الخليج، إلا لما تفاجأت بمنحها في سنوات ماضية لبعض الشخصيات الجدالية، وتركت أثرها في الصحافة وأحدثت زوابع؛ عن حق أو عن باطل، لا أدري، إذ لم تكن لي مقاييس لأقدّر الجدال الحاصل بشأنها؛ لأنها بتقديري لا تخلو من حمى التنافس والغرور، وشيء من مرض النفوس؛ شأن الجوائز بين الشعراء قديماً وممدوحيهم.

ولكن لما ظهر، وتعالت الأصوات بالتعييب على هذه الجوائز، أنها تمنح للأجانب الأمريكيين والأوروبيين والموالين لأصحاب هذه الأنظمة في بلاد الخليج التي تمنحها لهذا البلد العربي بكثرة، ولذاك بقلة، أو بأقل من الحد الأدنى للإنصاف، أو بغياب دول متحفّظ عليها سياسياً، أصبح الأمر لافتاً لكثرة المعارك التي تعقب كل إعلان بالنتائج. حتى كان سَنةً إعطاؤها بالمقاسمة، لعراقي وتونسي في مجال الدراسات المصطلحية وهما الأستاذ الدكتور أحمد مطلوب رئيس المجمع العلمي العراقي والأستاذ الدكتور، من تونس، محمد رشاد الحمزاوي المنتدب لجامعة قابوس بسلطنة عمان. حتى قيل إن الجوائز عامها خرجت من عادتها لتمنح لأول مرة لشخصية من تونس. فعدّت تونس من يومها أحد من نالها شرف هذه الجائزة من البلدان العربية المنسية قبل ذلك.

وبمنحها، في هذا العام، عن نفس المجال، أي في اللغة العربية وآدابها، في موضوع السيرة الذاتية، لتونسي ثان يعتبر بمثابة تكريم بحقه. لأنه تفرد بها من ناحية، وريْعُها المعنوي من ناحية ثانية يرجع لتونس وجامعتها التونسية الأولى منذ الاستقلال التي رشحته. كيف لا، وهو رئيسها وعميد كليتها السابق للآداب بمنوبة، والحائز على جوائز كثيرة قبل ذلك شرقية وغربية، وله مكانته الاجتماعية والثقافية، حيث هو في الوقت نفسه مدير المعرض الدولي للكتاب بتونس ومشارك في هيئات تحرير مجلة «إبلا » للآباء البيض ذات الصيت الممدود شرقاً وغرباً، وكذلك عضو تحرير في مجلة «رومانو أرابيكا» التي يصدرها مركز الدراسات العربية في جامعة بوخارست.والحائز قبل عامين تقريباً لجائزة « بوكر» وهي جائزة، هي الأخرى مختلطة بريطانية عربية في أبو ظبي.
كيف؟ وهو والذي لمع حتى قبل نيل "بوكر"، بمواقفه الجريئة من الإسلاميين في جامعته وكلية آدابها بالخصوص حين هاجموه، أو هاجم طلبتها عميدَها في مكتبه، من أجل مطالبات عامة، منها مصلّى في الكلية ونحو ذلك من المطالب التي حرموا منها في العهد السابق؛ وما تلى ذلك من معركة العلَم الموشح بالسواد، الذي رفعه طلبتها على سطح الكلية وأنزله من على ساريته خصومهم وعوضوه بالعلم الوطني.

في كل ذلك كان الأستاذ شكري المبخوت نجم الشاشات المحلية والأجنبية، والمُحاور الأمثل لاحتواء الموقف وتعديل الوضع، بلغة رصينة وإقناع هو الأجدر بمقامه.

وكلنا امتنان لحصوله على هذا التقليد الجديد، كما كانت تونس كلها في غاية الامتنان لحصولها من خلال الرباعي المشهور، للحوار الوطني على نيل أعضائه الأربعة جائزة نوبل للسلام، حتى وصل حد التنازع على الاستحقاق بها لأحدهم الى رده الى صاحب الفضل في إطلاق رباعيتهم تحت ضوء نجمه، الأستاذ الباجي قائد السبسي، لاعتبارات عدة.
ولا أحد ينازع في استحقاق أحد في جائزة. ولكن ليس لنيل أحد لها يصبح الحديث في حيثياتها مقلل من أهميتها، أو من أهمية جامعته، أو حتى مقلل من شأن بلده في الإعلام أو في الخارج، أو غير وارد تداوله بهذه المناسبة.

فالتصحيح متعين في حالات الخطإ أو سوء التقدير أو غمط الحقوق. وربما ميزان الأشياء بميزان الموضوعية صعب في الأمور المعنوية، ولكن لا بأس من مراجعة بعض المواقف والتصريحات بمناسبة هذه الجائزة أو تلك.


تعليقات