الدكتورة جليلة الطريطر تكشف معطيات خطيرة حول المبخوت وجائزة الملك فيصل(2)

شكري المبخوت ناقدا للسّيرة الذّاتيّة في ميزان العلم

                                                                     تسألونني ما ميزان العلماء؟ أجيبكم بأنّه أخلاق العلماء، أوّلها التّواضع و آخرها الأمانة .
                                                                                                 

جليلة الطريطر(☆)

I أحفاد سارق النّار ، في السيرة الذّاتيّة الفكريّة

يطرح هذا المؤلّف من وجهة نظر صاحبه مسألة السيرة الذّاتيّة الفكريّة بما هي مسألة تتصّل" بعموم السيرة الذّاتيّة و خصوصها" مقرّرا في ذات الوقت أنّ النّصوص الممثّلة للسيرة الذاتيّة الفكريّة الحديثة قليلة(نحن نسطّر) في الأدب العربيّ و قس على ذلك  الدّراسات المتعلّقة بها( أحفاد سارق النّار،ص.8 راجع الهامش أيضا). و يستنتج من ذلك حداثة هذا الجنس الأدبيّ زمنيا شأنه في ذلك شأن الرواية.

أمّا رهان البحث عنده فقام على تلازم جدلية المبحث التّطبيقي و المبحث النّظري التقعيدي الّذي من شأنه أن يطمح إلى الوقوف على منوال السيرة الذاتيّة الفكريّة بما هو جماع خصائص بنائيّة و أجناسيّة مؤتلفة تخضع لها ثوابت النصوص و متحوّلاتها. و قد اكتفى لرصد هذا المشروع الطموح بتحليل أربعة نصوص في الغرض هي، حصاد السّنين  زكي نجيب محمود  مدعوما بقصّة عقل ،  و قصّة نفس، رحلتي الفكرية في البذور و الجذور و الثمر لعبد الوهاب المسيري، سيرة ذاتية فكريّة ل الحبيب الجنحاني، و أخيرا حمد بن عبد العزيز الكوّاري على قدر أهل العزم، سيرة فكريّة.

عقد المؤلّف فصلا أوّل بعنوان " قضايا في السيرة الذّاتيّة الفكريّة" على سبيل الانطلاق من تعريف لوجون للسيرة الذاتيّة بما تضمّنه من بنود يراد تفحّص السيرة الذاتيّة الفكريّة في ضوئها تأسيسا و مساءلة لما عسى أن تكون عليه وجوه التّطابق او الافتراق بين الجنسين المقيس و المقيس عليه. و هو ما أدّى إلى استخلاص تطابق بديهي بين المنوالين في خصوص المنظور الاستعادي المرتبط ب" تكوين الشخصية" (نحن نسطر)وتطوّرها( أحفاد سارق النّار، ص 14) لدى لوجون في نطاق خّط التّنامي الزّمني و تطابق أعوان السرد، ثمّ يتوقّف نقديا عند شرط " الحياة الحقيقيّة" مبرزا سذاجة هذا المفهوم لأنّ الحياة الحقيقيّة لا تتجلى إلاّ في الكتابة و بفعلها بما يخرجها من باب التكذيب و التصديق و يجعل منها مسارا زاخرا بالتحولات الفكرية ( اعتمادا على استعارة الحياة)و هو مسار يبنى بواسطة التّسريد الذي من شأنه أن يدرج السيرة الذاتية الفكرية في باب الأدب. الحياة الحقيقيّة تتجلّى أولا و أخيرا في صيغة الحبكة القصصيّة و بذلك يستبعد ان يكون هذا الجنس من قبيل الشهادة  الفكرية أو العمل التأليفي"( نحن نسطّر) الذي يقدّم سنوات من التّكوين الفكري ومن التحصيل و الكتابة التي تعبر عن اختيارات علمية              و ثقافية."(ص. 23). وتمّ تعليل استبعاد هذه الإمكانيّة على أساس " تسليمنا الضمني بأنّ السّير الفكريّة هي من الأدب(ص. 23). وحتّى يدعم المؤلف تسليمه بأدبيّة السيرة الذاتية الفكريّة انطلاقا من مقولة الحبكة فهو يفكّ التعارض الكائن بين الحبكة بما هي تخييل و المرجع بما هو واقع مستغلاّ مقولة " الهويّة السرديّة" ( نحن نسطّر) لبول ريكور، و رأي المؤرخ بول فاين  P. Veyne القائل بأنّ " التّاريخ قصّة أحداث و يترتّب على هذا كلّ ما تبقّى"(أحفاد سارق النّار ص26). و لمزيد دعم عدم تعارض التّخييل مع واقعيّة الحياة الفكريّة فهو يدحض تعارض الذاتي و الموضوعي من خلال الاستناد إلى عدم تعارض البناء الاستعاري مع " طبيعة الأنسقة التّصورية البشرية" في الدراسات العرفانيّة ( مستدلا ب جورج لايكوف و مارك جونسن.).

مشروع السّيرة الذاتية الفكريّة يرسي على كونه مثل  أيّ مشروع سير ذاتيّ هو إعادة لبناء الذات وفق رؤية تتحكم فيها الذكرى الأولى، أو الحاسمة أو الاثنان معا، بما ينسف تماما تفسير الصبغة الفكريّة الّتي تبدو ممثّلة للخصوصيّة الأجناسيّة هنا. هذه الذكرى هي بمثابة "عقدة نقص" اتخذت بعدا مكانيا لدى الجنحاني(تعليم ازهري مقابل تعليم حديث)، و هي ضعف البصر لدى زكي نجيب محمود، و الموسوعة(موسوعة اليهود) لدى المسيري علما و أنّ الموسوعة هنا هي المشروع و سببه في آن!، أما الكوّاري فقد تعذّر إيجاد هذا الضابط في نصّه فاعتبر هذا الإخلال مدعاة لحمله محمل الطرافة! ثمّ خاض المؤلف في دوافع هذه الكتابة بما هي تجري على نقل الخبرة، التباري مع الزمن، التكفير عن الذنب التّحاور مع ذوات أخرى من خلال رسم بطولة الأنا  و كفاح الفرد او لنقل "قصص النجاح" التي تصل المؤلّفين بالصفة البروميثيّة( نسبة إلى بروميثيوس) بفضل تكريس حيواتهم للمعرفة و "صنع الإنسان الجديد." هكذا إذن نخلص إلى أنّ هذا التّنظير بجميع جزئياته قائم على بذل قصارى الجهد من أجل البرهنة على أنّ السّيرة الذاتية الفكريّة حكاية  و قول استعاريّ  من بعض جوانبه يبني أسطورة الأنا المعرفيّة على أسّ سيريّ بعيدا عن وهم الشّهادة و الوثيقة العلميّة لأنّ هذا الجنس هو ببساطة نص أدبيّ بامتياز.

ما يهمّنا خاصّة هو تفحص هذا المعمار النّظري و آليات إنتاجه فضلا عن مقدّماته ومصداقيته لأنّ ما جاء في تحليل النصوص الأربعة هو في التشريع لوجاهته. لهذا الغرض نعمل على تفحّص ما يلي :  مقدّمات البحث و مرجعياته النصيّة و النقديّة، خطّة البحث و إشكالياّتها النظرية و التطبيقية.

كلّ بحث علميّ جادّ و معمّق مضطرّ لكي ينزّل موضوعه في سياقه/ سياقاته المضيئة لنشأته و تطوّره             و رهاناته. فالقول بأنّ السيرة الذاتيّة الفكريّة بالذّات ظاهرة جديدة في الأدب العربي عموما و الحديث خصوصا أمر غير ثابت بالمرّة علميا ينبغي إثباته و التوثيق له و الاستدلال عليه، بل ويحتاج إلى دراسة متأنية لأنّ لا أحد ينكر وفرة نصوص كتابة الذات قديما و حديثا، و لكنّ الإشكالية تبقى في معايير تجنيسها و تصنيفها  و فهمها و في هذه الحالات كلّ شيء وارد.  بل نذهب إلى أنّ هذا القول يراد به في واقع الأمر الإيهام بجدّة المبحث و قدرة المبخوت على الإضافة النوعيّة فيه و الحال أنّ النّاقد المغربيّ محمد الدّاهي كان أوّل من درس الموضوع بجديّة و عمق  معتمدا مدوّنة متنوّعة النّصوص، فضلا عن أنّه كان أوّل من فكّر في وضع منوال أجناسيّ للسّيرة الذّاتيّة الذهنيّة في كتابه الموسوم ب" شعريّة السّيرة الذهنيّة، محاولة تأصيل"، و رغم ذلك فقد أوهم المبخوت بتجاوزه المنهجيّ للمقاربة المذكورة دون جديّة تذكر، فلا هو وسّع في المدوّنة المعتمدة، ولا هو قدّم تحليلا نقديا للموضوع يؤدّي إلى الإضافة المعرفيّة الحقيقيّة مثلما سنبيّن لاحقا.  

لم نر الباحث يثير الإشكال الأجناسيّ  المذكور أصلا متوهمّا و موهما بأنّ السيرة الذاتية الفكريّة أمر متّفق بشأن أجناسيّته الحديثة بما هو رديف مستقلّ لجنس السّيرة الذاتية الحديث، فضلا عن تأكيده غير المبرّر لقلّة نصوصه، و هي مسألة جوهريّة لا يمكن التغاضي عنها. و لعلّه يبرّر بذلك  اعتماده على أربعة نصوص لا غير لا يستقيم توظيفها لكشف شيء ذي بال. و قد حاول الخروج من هذا المأزق بمحاولة لاستيعابها ضمن شبكة من المقولات التي كانت بمثابة المصادرات الماقبليّة المسقطة وسيأتي نقاشها، فحتّى نص الكوّاري الذي لا يفهم في إطارها برّر إدراجه بأنّه طريف من حيث عدم استجابته لهذه المصادرات! أما محدوديّة البحوث النّقديّة في الموضوع الّتي يحيل عليها فمتعلّقة باقتصاره على استدعاء ما دلّ منها في ظاهر عنوانه على اختصاصه بمعالجة الجنس المبحوث فيه ( مثال محمد الدّاهي السّابق،               و نور الدين الصدوق، سير المفكّرين الذّاتيّة 2000،) و استبعاد ما سواها إن  سهوا أو عمدا.

هذا الأفق المعرفيّ الضيّق جدّا للنصوص و الدّراسات لا يمكنه إلاّ أن يؤدي إلى طرح مغلوط للقضايا النظريّة الكبرى، فالسّؤال عن غياب منوال للسيرة الذاتيّة الفكريّة( هذا إن سلّمنا بأنّها منوال أصلا، خاصّة و أنّ السيرة الذّاتيّة بحدّ ذاتها مناويل و ليست بالمنوال الأوحد و هي مسلّمة بديهيّة اليوم عند أهل الاختصاص)، و كلّ الاجتهاد الّذي أبداه المؤلّف من أجل المساهمة( المتواضعة) في بناء لبناته، بل وحصره في مسألة التّسريد و الحبكة و ما إليهما هل هو سؤال وجيه في كلّ الحالات؟ بم نفسّر عدم اهتمام فيليب لوجون بطرحه أصلا فضلا عن الإجابة عن مقتضياته النظرية و هو " إمام السيرة الذاتيّة"؟   و العلاقة بين الجنسين عند المبخوت قائمة على عموم و خصوص؟ هل يمكن أن نفترض أنّ نصوص هذا الجنس منعدمة في تاريخ الثقافة الفرنسيّة مثلا؟ أم نفترض أنّ ها هنا بالذات كباب لوجون جواده فأغفل ما لم يغفله المبخوت ؟ لمّا كانت المرجعيّات الأجناسيّة في حالتنا هذه فرنسيّة خاصّة و أجنبيّة عامّة، فلم عدم  طرح هذا الإشكال و هو أساسي في بحث يرجو صاحبه أن يكون طلائعيا؟

بدءا لا بدّ من أن نؤكّد عن دراية تامّة  أنّ  ما يسمّى بالسيرة الذاتيّة الفكريّة لم يكن في نصوص المدرسة المؤّسسة ( جيل طه حسين/ راجع الجزأين 2  و3 من الأيّام) جنسا مستقلاّ بذاته فقد ورد مندمجا بل    و مكوّنا أساسيا لجنس السيرة الذاتيّة، كيف لا  و قد كانت المسيرة الفكريّة المعرفيّة هي الأسّ المترجم عن جدليّة الحوار العضوي بين التاريخ الفردي البيئيّ الموروث، و تاريخ الفرد الفكريّ المكتسب؟. إنّ إغفال هذا الجانب لا يؤدي في نظرنا إلى طمس مسألة  في غاية الأهميّة : مسألة التكوينيّة Genèseالأجناسيّة للسّيرة الذّاتيّة فحسب، بل إلى طمس معالم السّيرة الذاتيّة العربيّة و خصوصياتها الثّقافيّة البنائيّة  و الايديولوجيّة القاعديّة، و هو ليس بالأمر الهيّن لمن هو مطالب بالإضافة المعرفيّة إلى كلّ البحوث  و الدراسات الّتي أثبتت هذا الجانب و أكدته، و على رأسها  مقومات السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث  الّتي لا تستحضر مطلقا لا من قريب و لا من بعيد، و هو أمر أقلّ ما يقال فيه إنّه غريب مريب فيما يتعلّق بمرجع تأسيسيّ في الاختصاص، و لكن لنا عود إليه. و ينجرّ عمّا  أثبتنا أنّ التّسليم غير المدروس و المتسرّع( للإيهام بالرّيادة) بقلّة السير الفكرية الكمّي مردود على صاحبه بما أنّ تاريخ الفكر/ القلم يحيا في تضاعيف كلّ السير الذاتيّة  المكتملة، بل نراه خاصيّة عربيّة مميّزة لها من سواها، و لا عاقل يزعم اليوم أنّ عدد السّير الذاتيّة في الثقافة العربية الحديثة متواضع، بل نزعم أنّ السّيرالذاتيّة الفكريّة المستقلّة بذاتها لم تتنكّر أصلا لهذا الخطّ المزدوج  حتّى في حالات انفصالها الورقي هذه، و أفضل دليل أن نستعمل نص عبد الوهاب المسيري  نفسه المستحضر في مدونة المؤلّف الّذي لم يستطيع إثبات تعايش الذّاتي في الفكري دون استدعاء الحميم أو الفرديّ الخاصّ و مدّ الجسور (عبارة عن مقولات عنده مثل مقولة تراحم/ تعاقد) بين الذّاتي/غير الموضوعيّ، و الموضوعيّ / غير الذاتيّ، و لكنّها نسب و مقادير لا غير، لها أسبابها و مسبّباتها الّتي من شأنها أن تقتصد فيما هو ذاتيّ لصالح الفكري و العكس بالعكس            ( و هو ما يطرح حقيقة الاستقلاليّة الكاملة لهذه الكتابة بما يجعلها جنسا قائما بذاته إلى جانب السيرة الذاتيّة؟). و هذه الوضعيّة المخصوصة للسّيرة الذاتيّة الفكريّة الّتي أكدّها سعيد يقطين في مقدّمته لكتاب محمد الدّاهي في موضوعنا، تنكّر لها المبخوت من البداية( أحفاد سارق النّار ص62) دون رويّة أو إعمال نظر. 

و لا شك عندنا أنّ سيرة العقاد بجزأيها المنفصلين ورقيا "أنا" و " حياة قلم" هي التي دشّنت الانفصال الورقي بين كتابة الذات و كتابة  تاريخ القلم لأسباب تكوينيّة Génétique هي الأخرى لها صلات وثيقة بالكتابة المرحليّة المتمثّلة في توظيف المقال الّذاتي لبناء السّيرة الذاتيّة ما بعديا، فضلا عن سياقات  إنتاجها التلفظيّة المرتهنة بتلبية رغبة متدخّلين في المشروع السّيرذاتي الخاصّ .

لذلك يمكن أن نتحدث أيضا عن عبارة سيرة ذاتية قلميّة ( نحن أوّل من روّج للعبارة  المستقرأة من النصوص ذاتها) بما هي أوّل تعبير استعاري أجناسيّ منفصل. و بالفعل انهالت بعد هذا التاريخ السّير القلمية الذّاتيّة في الثقافة العربية الحديثة على وجهيها المتّصل و المنفصل لكتّاب و شعراء و غيرهم عبّرت تجاربهم الإبداعيّة عن علوّ شأنهم الثّقافيّ( نزار قباني/ صلاح عبد الصبور/ عبد الوهاب البياتي/ حنّا مينا / جبرل ابراهيم جبرا/  و القائمة تطول.)

أمّا فيما يتعلّق بالبحث المفتعل عن المنوال الأجناسيّ للسيرة الذاتيّة الفكريّة و ضرورة انتظار أزمان من التّطبيق لاستكشافه بالتعويل على حجر الأساس الّذي وضعه المبخوت، فإنّ الجواب عن هذه المسألة هو من تحصيل حاصل، إذ لمّا كان التّداخل بين السّيرة الذاتيّة الخاصّة و الفكريّة ضروري لدى المؤسّسين، فضلا عن كونه كان مظهرا حيويا من خصوصيّات السّير الذّاتيّة العربيّة المؤسسة للجنس، فإنّ التّسريد   و هو قوام البناء القصصي لحكاية الحياة سيكون في مثل هذا المنوال( الأوّل و غير الأخير) صالحا  بل هو هو في حالة إنتاج قصّة الفكر، حتّى و إن كانت منفصلة ورقيا.

و نؤكد هنا من جديد أنّ قصّة الفكر متى كانت سرديّة قصصيّة(  وقد دلّ واقع النصوص أنّها ليست دائما كذلك) لا يمكنها في مثل هذه الحالة أن تستغني تماما عن عناصر الحياة الفرديّة من أجل استقراء الذّاتي في المعرفيّ أو القلميّ، بل نزعم أنّها تتأسّس بفعل آلية إسقاطيّة تجريديّة، تولّد من الوقائع الحياتيّة
المستدعاة دون غيرها مقولات صوريّة  تسعى إلى إيجادها في مسارات المغامرة المعرفيّة. و لا يخفى على المطّلّع غير المتعجّل لقضاء أمر ما المتشبّع بالنصوص العربيّة حقيقة أنّ مسار التّسريد ليس صرفا بل تتخلّله دائما محطات موضوعاتيّة (thèmatique) ضروريّة لضبط الثوابت، و عدم الاسترسال في السّرد بما من شأنه أن يطمس هذه الثوابت في مجريات السرد الحدثيّة المتعاقبة. لذلك كلّه فبنية الخطاب السّيرذاتيّة  تقع في منطقة وسطى بين القصّة السّرديّة و المقال ذي البنية المنطقيّة المؤسّسة على نظام ضبط الأفكار . ف عبد الوهاب المسيري مثلا يصرّح بوضوح أنّ سيرته الفكريّة لم تنسج على منوال  الحبكة القصصيّة الصرفة، بل هي أقرب إلى البناء المنطقي الغرضي"... لكلّ هذا ابتعدت عن السرد المباشر لأحداث حياتي المتعاقبة  و مراحلها المتتالية و حاولت بدلا من ذلك أن أعرض لها من خلال الأنماط و القضايا و المقولات التّحليليّة و الموضوعات الفكريّة الكامنة المتواترة في كتاباتي و حياتي "( نحن نسطّر).

لقد تجشّم المؤلّف عناء كبيرا لا فائدة منه ليقنعنا باجتهاده الخاصّ في تعيين أدبيّة السيرة الذاتيّة الفكريّة  انطلاقا من البرهنة على تلبسّ خطابها بالحبكة أساسا، وبالأسلوب الاستعاري من ناحية أخرى، و تبلورها الدّلالي بفضل تشكّلها في البنية السّرديّة التي تفرز  ضرورة هويّة سرديّة يمحّض فيها التّاريخي لصياغة تخييليّة  تشف عن معاني البطولة الفرد/ أسطورته البروميثيّة. و لنا  في هذا المستوى بالذّات ملاحظات أساسيّة  و احترازات مرجعيّة مخيّبة للآمال في هذا البحث.





                                                       
  (☆)    جليلة الطريطر

  أستاذة نقد أدب الذّات، جامعة تونس 1/ كليّة العلوم الإنسانيّة و الاجتماعيّة 9 افريل
















.

تعليقات