المبخوت وجائزة الملك فيصل في ميزان المنجي الكعبي2

أولاً: أن الاستحقاقين مختلف شأنهما، بين نيل جائزة عن طريق منتسب لجامعة أجنبية وهو تونسي معار لها أو منتدب لحسابه فيها بعد التقاعد من جامعته، وبين جائزة تسند لصاحبها عن طريق جامعته وهو رئيسها.
ثانياً: التمييز، بين مستحق للجائزة بالتناصف ومستحق لها جدارة عن نفسه بالكامل، غير مُنقص إلا بحق من يتغافل عنه للإعلام الموضوعي والدقيق.
ثالثاً: التعظيم من أمر الجائزة، لمجرد كونها منحت لأحد أو حجبت عن آخرين منافسين له، أو غير مترشحين ولكن بالأهمية ذوي استحقاق لها، وربما لما هو أكثر منها مصداقية وشفافية وحيادية.. مثيرٌ، إذا لم نقل يلقي ظلالاً على مصداقية المتحدث عنها كالمفخم من أمرها أو أمره.
وقد اهتم الإعلام، ومن حقه أن يهتم بنقل أول تصريح للأستاذ المبخوت بعد فوزه بالجائزة، الذي يقول فيه بلفظه: «هذه الجائزة مختلفة، لأنها ذات طابع علمي أكاديمي، رغم إشعاعها الثقافي، لصلتها بالأدب واللغة العربية، وهي علاوة على ذلك ذات مصداقية عالية إذ تتميز لجان التحكيم فيها، وقد شاركتُ في بعضها في سنوات سابقة، وهي بدرجة عالية جدّا من الاستقلالية إذ تتكون من اكاديميين مرموقين، سواء بصفة محكّمين لا يعرف بعضهم بعضاً أو بصفة أعضاء اللجنة العليا التي تسند الجائزة».
وأضاف المبخوت: «بطبيعة الحال يشرفني الحصول على هذا التتويج من لجنة لا أعرف أعضاءها ولكنني متأكد من أنهم من المجموعة العلمية، من هذه الناحية فإن الحرص على دقة الانتقاء هو الضمانة اللازمة لإشعاع الجائزة ومن ثمة لإشعاع من يحصل عليها ومن خيرة الزملاء الباحثين في الاختصاص».
ولا غبار أن يقول إنها جائزة «مختلفة»، لأنه يريد مقارنة بالجوائز التي حصل عليها قبلاً، ولعله يقصد تحديداً « بوكر» ، لأنها تمنحها هيئة سياحية ثقافية في أبو ظبي بتوجيه من جائزة «بوكر» الأم البريطانية؛ حتى يسبغ على الجائزة التي أخذها أخيراً « بأنها ذات طابع علمي أكاديمي رغم إشعاعها الثقافي».
ولكن طعم هذه الجوائز بمذاقه يبقى كالمنقوص، حتى يضفي عليه من الصفات ما يعزز من استحقاقه لها، وهو قوله: «ذات مصداقية عالية». ثم راعى أن يذهب أبعد من الوصف الخارجي، ليقول وكأنه يتكلم عنها من الداخل؛ وفعلاً هو كذلك يتكلم عنها من الداخل، يقول: «إذ تتميز لجان التحكيم فيها، وقد شاركتُ في بعضها في سنوات سابقة، وهي بدرجة عالية جداً من الاستقلالية إذ تتكون من اكاديميين مرموقين، سواء بصفة محكّمين لا يعرف بعضهم بعضاً أو بصفة أعضاء اللجنة العليا التي تسند الجائزة.»
فهذا التدقيق ملْفت ومُنمّ في الوقت نفسه، ومُفْش، لأنه، وما كان أغناه أن يصرح به محرج؛ لأن اللجان، أسماء أعضائها سرية، ويجب أن تبقى سرية وإن تعلقت بجوائز سابقة منحت لشخصيات ناجحة وشخصيات غير ناجحة في ميدان تحكيمه ولم تكن تعلم به. وربما ألقت معرفتها الآن بوجوده في التحكيم في واحدة أو أكثر من دورات الجائزة ما يثيرها.
وكأنه يصف نفسه بالمرموقين، وهو يصف أعضاء هذه اللجان في هذه الجائزة على الاطلاق. وموضوعهم، يتعلق بتقدير من يعيّنهم فيها وحده، وليس له بالحكم لهم أو عليهم، إلا إذا كان كـ «شاكر نفسه يقرئك السلام»، أو على أصل ما جاءت عليه هذه القولة «مادح نفسه،الخ..». 
لكن زيادة التفصيل في النسبة لنفسه عدمَ المعرفة بأعضاء اللجنة، أبعث للريبة في صدقه، أو صدقهم في عدم المعرفة بعضهم لبعض. خاصة عندما زاد فزكاهم بالحرص على ما سماه «دقة الانتقاء» واعتبره - وهذا من حقه -«الضمانة اللازمة لإشعاع الجائزة… » الى آخر قوله. وكأن هذا الأمر مقدوح فيه من غيره، أو هو لغاية التطمين لحصول الجائزة اليه.
وما كان أغناه عن التأكيد في معرض آخر ليقول: «لا شك أن الفوز بهذه الجائزة له طعم خاص ونكهة مختلفة، خصوصاً وأنها تستند إلى معايير صارمة لا تقبل التشكيك في نزاهتها وموضوعيتها (…) وبصفتي كنت مُحكّماً في هذه الجائزة في دورات سابقة فإني أعلم جيداً مدى جديتها وكفاءة لجانها…».
أو تقول الصحافة على لسانه وبنفس ألفاظه:«ولم يخف الدكتور شكري المبخوت سعادته البالغة في حصد هذا التتويج المشرف، مضيفاً بأنه كان واثقاً من حظوظ ملف ترشحه في المنافسة على الجائزة لكنه لم يكن يتوقع أو يتكهن بهذا الفوز الذي لم يأت من فراغ أو من باب الصدفة بل كان ثمرة جهد وبحث وتعب…».
وهذه أشبه بالاعترافات غير المغتفرة في جائزة يزعم صاحبها أو أصحابها أنها أبعد من الشبهة في إسنادها.
وسمِعْتُه في الإعلام المرئي يقول، إنه يهديها الى المرأة والى تونس والى الجامعة.. وهذا كله من حقه، وجدير بالتهنئة والتبريك له من جانب من استحقوا بفضله هذه الهدية. وفعَل ذلك قبله زميله وأستاذه الحمزاوي الذي لم يسمّه. وهي أمور رمزية. ولكن «آخرون» قد يسوؤهم قبول الهدية إن لم تكن مبرأة من العيوب.
***
إذا عرف السبب بطُل العجب
إن كانت الجامعة رشحته لها، أي لهذه الجائزة، لأعماله العلمية وحسب، فكان ينبغي أن يمر الترشيح عبر مجلس علمي أو لجنة. وإذا كان ليساريته - كما تُصوّره سيرته الذاتية التي يعكسها في روايته الطلياني- أو لصفته الإدارية في أكثر من منصب تنفيذي أو في عضوية تحرير بمجلة أجنبية في الداخل والخارج، وفي لجنة تحكيم لهذه الجائزة بالذات، وفي غيرها، في دورة أو أكثر من دوراتها، فهذا اعتبار آخر؛ ويناله القدح بسببه، كما ينال أي شأن آخر ليس أساسه الاختيار النزيه والشفاف والمحايد، الى آخر الشنشنة المعروفة للتحوّط من الانزلاقات والميول واستغلال النفوذ.
وإذا كانت لجان الجوائز يصح أن يطلق عليها كلها الأوصاف التي أطلقها عليها هو، بأنها صارمة وعلمية جداً جداً (والتأكيد له)، فما يفرقها عن لجان الامتحانات؟ الذي لرئيسها وحده مسؤولية إعلان النتائج، لا لمقرر عام يقع تحت تكليف هيئة الجائزة، والتي لا تسمى كما قال هو لجنة عليا، لأنها بالحقيقة بمسماها هي هيئة أميرية، أي متكونة من أصحاب السمو أبناء الملك المسماة باسمه الجائزة ويشرف عليها أكبرهم مستشار الملك.
وله أن يقرن نفسه بزملاء نالوا جوائز أقل منه بجائزته الأخيرة، دون أن يذكر من بينهم سلفه الفائز بها قبله. فهذا من حقه. ومن حقه كذلك أن يقول إنها «اعتراف أكاديمي يتجاوز مكافأة شخصه إلى الاعتراف بقيمة الجامعة التونسية وتميزها بحثاً وكتابة وتحقيقاً» وأنها «منارة إشعاع وعنوان إبداع بفضل ما زرعت لنا الأجيال السابقة فأكلنا وما سنزرع نحن للأجيال اللاحقة فتأكل».
***
ويكاد المريب يقول خذوني
يقول.. وكنت واثقاً.. وكنت عضوَ تحكيم بها.. وكنت لا أعرف أعضاءها.. ويهديها للمرأة وللوطن .. حبذا ولكن كما قلنا حتى يبرأ، كما فعل سلفه من عيوب الهدية في الفوز بها.
وما كان ينبغي أن يغض من استحقاقه. لأنها بعد ذلك كله جائزة لا استحقاق في حلبة سباق، مكشوف للعين، ومبرأ أشخاصه من الدوباج(المنشطات) والمناورات ولا تتعلق بهم قضايا رشوة أو فساد.
والجامعة التونسية التي نوه بها أكثر ما نوه كان ينبغي أن تكرّم قبله الحامل لجائزة الملك فيصل، العامَ الذي فاز فيه الحمزاوي. ولكن ربما لم يصبح من تقاليدها بعدُ تكريم واحد من أبنائها إلا بعد أن تراه قد اقتضى عنوان تكريمه الأول من جهة أجنبية. ومثال الطالبي وغيره معروف.
وفي أحد السنين الماضية أقصد الأعوام، ردد الناس بإعجاب قرار الحكومة التركية فصل جميع أساتذة الجامعة لديها لكثرة ما تبين فيها من عوار، وإعادة انتدابهم على أساس يمنع الحيف الذي نال بعضهم والمحسوبيات التي استبعدت غيرهم أو نفّلت آخرين.
ولهذه الجامعة - جامعة منوبة - ما كسبت، ولكن عليها ما اكتسبت بأيدي العابثين بقوانينها وحرمتها؛ ما يشهد به واقع محاضر الشرطة العدلية وأروقة العدالة وجلساتها وقرارات المحكمة الإدارية. ومنها قضية السرقة الموصوفة لبعض أساتذة تلك الكلية بها، فيما يعرف بمخطوط السيرافي أو الزجاجي، على نسبتيْه الخاطئتين، كما بينته في جملة مقالات أتبعتها بكتاب ثم فصّلتها في كتاب ثان؛ وفي منع أستاذ كامل الصفة من عضوية لجان الدكتوراه والانتداب، لحسابات ومصالح ضيقة، وجهويات فاضحة، وفساد إداري وتحويل وجهات طلاب وطالبات وابتلاء أساتذة ومساعدين، لأسباب فئوية وحزبية وتحرش وابتزاز. 
ومن القرارات المشهودة للمحكمة الإدارية إلغاء مقررات رئيس الجامعة، الذي تورط في منع ذلك الأستاذ من مباشرة تأطيره للشهادات ومداولاتها صلب اللجان بتلك الكلية، المخول له قانوناً ممارسة دوره بها، كسائر زملائه دون إقصاء أو تهميش كالسابق. وأصفعُ ردّ على قراراته تسفيه المحكمة له لادعائه على ذلك الاستاذ بإفشاء مداولات اللجان التي حضرها في مقالات له وثلب للمسؤولين بها؛ كل ذلك لتبرير عزله عن الكلية، وعدم دعوته مستقبلاً لأية اجتماعات أو جلسات فيها. 
ومثل هذه التهمة كانت وجهت لهذا الأستاذ في عهد وزارة الشرفي للتعليم العالي والبحث العلمي والصادق شعبان كاتبه للدولة للبحث العلمي. وانتُدبتْ له بإيعاز منهما إحالة على مجلس التأديب لطرده من الجامعة رأساً، وحبسه بتهمة الثلب في مقالات صحفية لسلطة الإشراف وبعض الإداريين المتظلمين بدعواهم من تجاوزاته بحقهم. وخاب مسعاهم لمّا وقفت المركزية النقابية لاستنكار موقف الوزير نفسه منه، ونسبة قراره الجائر لتصفية حسابات سابقة معه والتحامل بحقه إرضاء لبعض الجهات المتوترة من مقالاته ومداخلاته في مواقعه السابقة في الحياة النيابية والنقابية.
وكانت صولات هذا الأستاذ وجولات قلمه في الصحافة والمنابر تملأ سمع الرأي العام، للتنديد بممارسة إدارة هذه الكلية تحت إشراف بعض المسيرين لها بتعليمات بعض القدامى من وراء حجاب، واحتكار بعضهم لها كأداة لاستغلال مواقعهم في المجتمع السياسي والثقافي السائد عن كره من الوسط العام وأغلبيته العظمى.
وحتى يَعرف هو أو غيره بخلفيات من أحرزوا هذه الجائزة في ظروف أشبه بظروفه وإن اختلفت من بعض التفاصيل في نيلها من قِبل أستاذه السابق، ولكن ليس عبر ترشيح الجامعة التونسية بمنوبة مثله، بل عبر جامعة قابوس بمسقط، الأستاذ رشاد الحمزاوي، الذي كان من أهم التعْميات على  ترشيحه حتى ينال هذه الجائزة، التعتيم على أحد أهم كتبه المعجمية المتفاخر بها، وأخفاها من سيرته أو ملف ترشحه، ألا وهو كتابه الذي نقدناه أوسع انتقاد أو نقد، إذا أردنا العبارة التي لا يرضاها، وهو "معجم المفاهيم الحضارية والقانونية والإدارية من خلال الرائد الرسمي" الذي اعتبره في مقدمته تاج كتبه بل الكتب العربية من نوعه.
وكان ينبغي التصحيح في الإعلام، حتى لا يكون الالتباس ويقال إن الجامعة التونسية أو تونس استحقت جائزة الدكتور الحمزاوي لأنه ترشح من الجامعة التونسية أو من تونس. ولولا أنها كانت كالمستحيلة بالنسبة اليه من جامعته ذاتها أو من تونس انطلاقاً لكان ينبغي أن ينتظر حتى يدرك مسؤولو الجائزة أنه من قلة الانصاف ما انتُقدوا عليه من استفراد بعض الدول العربية الكبرى بالجائزة في دائرة مؤسساتها أو أفرادها دون تونس وبعض الدول العربية الأخرى.
ولو أنطقتْه المناسبة كما أنطقت زميله الفائز الآن، لذكر لنا توليه رئاسة هذه المؤسسة أو تلك في الداخل والخارج ولعرّف بيساريته وبأياديه في مجالات تدعمها مؤسسات أجنبية رسمية وشبه رسمية في حقل من الحقول لا تمت الى اختصاصه بقدر ما تمت الى نزوعه الإيديولوجي والسياسي.
ولا أدرى إن كان أصحاب هذه الجائزة يعرفون أنهم لو منحوها لغير من مُنحت لهما من التونسيين لقامت قيامة الطاعنين في نزاهتها أو المتقوّلين عن انتماء من أسندت اليهم لملوك أو أمراء وولائهم لهم أو لبعضهم.
***

تعليقات