المبخوت وجائزة الملك فيصل في ميزان المنجي الكعبي3



الشيء بالشيء يذكر

وتعجبتُ من بعضهم أن يستثنيني في كل مرة من دعواته لحضور المؤتمرات التي تعقدها مؤسسته في القاهرة؛ وكنت كزميل دراسة كفرسَيْ رهان أنا وإياه في كلية الآداب بجامعة القاهرة، فضحك طويلاً ليقول: لا أبداً والله، ولكني، للعلاقة بين مؤسستنا ومؤسسة جامعة تونس اتفقنا على عدم الدعوة بأسماء الأشخاص لكن بتحديد العدد. فإذن أنا لا أعرف علاقتك بهم. فهم الذين يستثنونك؛ وعليّ يا أخي من اليوم أن أوجه اليك دعوة خاصة مني باسمك، لأعوض عن تقصيرٍ لم يكن والله بحسباني وليس لي أن اعتذر عنه للأسف.
وليس من التشنيع بأحوالنا دعوة الإصلاح لها، لأن المفاسد في جامعتنا أوضح من البيّنات. ولكن الاعتبار بالواقعات كما يقول ابن خلدون متعين في جميع الميادين.

ولا يكفي أن يردد المحتفى به اليوم بجائزة الملك فيصل، دعاءه أن «تبقى مؤسساتنا الجامعية، وبالرغم من المعوقات والصعوبات، منارة إشعاع وعنوان إبداع بفضل ما زرعت لنا الأجيال السابقة فأكلنا وما سنزرع نحن للأجيال اللاحقة فتأكل..».

ولا أدري إن كان يعلم أنه بيننا أكثر من جيل أو جيلين تقريباً، لأني سابق لجيلِ أقدم المتخرجين بشهادة الدكتوراه من السربون وأصغرهم عندما اقتحمت باب الجامعة التونسية أمام الصد العنيف الذي واجهني به طابور من غير المتحصلين على نصف شهائدي على الأقل ومؤلفاتي، وفي مقدمتهم عميد الكلية. لا لشيء إلا لأني خالفت على تكوينهم وخرقت حظرهم وانتزعت الاستحقاق الأعلى من السربون قبل كثيرين منهم، ومنهم الأستاذ الحمزاوي واليعلاوي. وكان نجاحي المدوي علامة مضيئة وتحدياً ملحوظاً قفّى على أثره زملاء كرام من أمثال عبد السلام المسدي وجمعة شيخة، مع حفظ الألقاب. وارتفعت الشدة عنهم وسويت السبل أمامهم لإنهاء أطروحاتهم، وكانت أول الأطروحات التونسية التي تناقش في صلب الجامعة التونسية. ولو أنصفتْ الجوائز في وقتهم أو حتى قبل وقتهم لنالهم شرفُها، أو لشرُفت بهم، ولكن الدول الخليجية كانت تعاني من عقدة التونسيين نحوها؛ حتى تبدأ في السبعينيات والى ما بعد، حلحلةُ هذه العقدة عن طريق بورقيبة الابن خاصة؛ وسوّق لنظرية الربط بين ثالوث التكنولوجيا الفرنسية والبترودولار الخليجي واليد العاملة التونسية؛ وأن تونس الجسر، لموقعها القريب من أوروبا بإمكانها لعب دور الوسيط والمترجم بين عرب الخليج وبين أقطاب العلم والتكنولوجيا في الضفة الأخرى للمتوسط.

ومن ذلك الوقت تحسنت الرؤية التونسية لدول الخليج وضُربت الركائب اليها. ولذلك، فأكثر الجامعات الخليجية، من عمان الى أبو ظبي الى دبي الى الدوحة الى السعودية، تهفو اليها أفئدة الكوادر التونسية، جامعية وأكاديمية ووسطى، بما أغرتها مادياتُ تلك الإمارات والمشيخات والدويلات؛ فأفنت خبرتها وتجربتها هناك، موليّة وجهها، بعد طول العهد، عن أوروبا وتقشفها وربما تضييقها، على من دون جيرانها من الاتحاد الأوروبي وأوروبا الشرقية الشيوعية سابقاً.

وإن أصبحنا بعد الثورة نتلاسن بدول الخليج، ببترودولار هذه أو تلك ونفوذها المالي والاقتصادي في حياتنا، وبإكرامات مؤسساتها وتكريماتها لأبنائنا وبناتنا. ومعروفٌ الجوائزُ التي حصدها روائيون، مشهورون بتحفظاتهم السابقة على تلك الدول وسياساتها كعز الدين المدني. وربما مثلوا تكريمهم له بمثابة التكفير عن أفكاره نحوهم، وبسْط اليد لاستعطاء الجائزة منهم.
وحتى الجوائز، أصبحت في أكثر ما تمنح في الدول الخليجية للأوروبيين والأمريكيين ومن لهم ميْسَمُهم من العرب والآسيويين.  

وهذه الجائزة بالذات، يفتخر أصحابها في رصيد منحها أن كثيراً ممن فازوا بها من الشخصيات الأمريكية والأوروبية قد تحصلوا بعدها على نوبل. ما يعنى أنها ذات مصداقية مثلها مثل نوبل في تقييم مواهب العظام ومكافأتهم؛ ولكن مع التفرد بكونها الأسبق في استكشافهم للعالم وتكريمهم، كالمنّ على نوبل بهم.  وهو نوع من المضاهاة كالمعارضات بين الشعراء عند العرب من قديم. ولذلك يتحرّون أن لا تمنح جائزتهم في العالم العربي إلا لحملة جوائز أدنى منها كـ «بوكر» وغيرها، ليكون لهم بها التتويج كنوبل؛ زيادة على الاعتبارات الأخرى التي تدخل في كيمياء هذه الجائزة.

وهو نوع من المماراة بين جوائز الغرب وجوائز الخليجيين في المال والرؤية والتوجه، طالما القُرب اليوم أصبح على وزن من يدفع أكثر لمقاومة الإرهاب الإسلامي، ومن يشجع أكثر على من يفترى على الإسلام أكثر ليكسب الود؛ لأن محل الشبهة يبقى محل التهمة في ظروف الحرب.
ولذلك 
جاء في التقديم للفائز المباشر في المنافسة مع ترشيح جامعة الزيتونة، وهو الأستاذ الدكتور بشار عواد، في صحافة المملكة، عقب إعلان النتائج أنه «الأردني الجنسية العراقي الأصل»، وأن «هذا الرجل كانت له أياد بيضاء على سنّة العراق فقد كان يقاوم أهل البدع والشعوبية ووقف لهم بالمرصاد، وعمل عمل أمة لوحده». ومعرفتنا بهذا الرجل محدودة عن طريق رئيسه في العمل في مؤسسة آل البيت الهاشمي في عمّان الأستاذ إبراهيمشبوح، بمناسبة تحقيقه تحت إشرافه لجزء من تاريخ ابن خلدون. وقد خصصناه بمقال ننشره لاحقاً، لبيان المظلمة التي تسلطت على ابن خلدون بسببهما.

وإن ساءنا أخيراً أن يظهر في الفيديو الذي يصوره وهو يجهش بالبكاء بعد أن تحدث للحاضرين أمامه في الحفل بتتويجه بهذه الجائزة أنه لكثرة المجلدات التي حققها من كتب التراث وتقارب الثلاثمائة يتهمه بعضهم أنها أعمال لغيره.

تونس في ٤ فيفري ٢٠١٨

تعليقات