الدكتورة جليلة الطريطر تكشف معطيات خطيرة حول المبخوت وجائزة الملك فيصل( 4)

نواصل نشر الجزء الرابع من المقال الاكاديمي للجامعية التونسية جليلة الطريطر وهي تتحدث عن مجال هي من أبرز المختصين فيه والفت فيه إلى جانب رسالة دكتوراه الدولة والفت كتبا اخرى ويشهد أهل الاختصاص لها
وشكري المبخوت أو غيره ليس فوق النقد وماتكتبه جليلة الطريطر يدخل في مجال اختصاصها ومسؤوليتها الفكرية ودفاعا عن الجامعة التونسية التي تنتمي إليها وتدرس فيها مثل المبخوت وعليه لنبتعد عن منطق الشعبويات والمزايدات الفارغة وأرجو إحترام جرأة المرأة وجدية تناولها والاعراض عن التعاليق السخيفة
المبخوت ليس عاجزا عن الرد ولا يحتاج جوقة المدافعين خصوصا من الذين برمجهم في الأمسيات الشعرية أو لتقديم مداخلات في معرض تونس الدولي للكتاب




شكري المبخوت ناقدا للسّيرة الذّاتيّة في ميزان العلم

                                                                     تسألونني ما ميزان العلماء؟ أجيبكم بأنّه أخلاق العلماء،   أوّلها التّواضع و آخرها الأمانة
                                                                                             
  جليلة الطريطر (☆)

هذه قرصنة أولى منافية لأخلاق العلماء، تبعتها ثانية اتّضحت في استحضار الشبكة البلاغيّة متمثّلة في الاستعارة لتوصيف الأنموذج السيرذاتيّ أسلوبيا. هنا بالّذات  عدنا إلى نصّ المبخوت سيرة الغائب سيرة الآتي  فتبيّنا بما لا يدعو للشكّ، أنّه عندما فصّل القول فيما أسماه ب" نحت الأنموذج" في السيرة الذاتيّة حلّله على قاعدة دلاليّة صرفة ممثّلة بأنموذج البطولة و تبعاتها المعنويّة. أمّا عندنا فكان توظيف العبارة  يعني شيئا مختلفا، ألا و هو القول بأنّ المسألة التعريفيّة الّتي تنهض بها الهويّة السرديّة تتشكّل أسلوبيا في نسيج بلاغيّ استعاريّ يكشف عن الصورة التمثيليّة للهويّة السرديّة/ السيرذاتيّة . و هذا هو المفهوم الّذي استعاره المبخوت  و عمّمه على تحليله لمدوّنة زكي نجيب محمود دون أيّ إشارة تذكر لجهودنا المنهجيّة و في هذا السياق يعود من جديد إلى استراتيجيّة التمويه محيلا إلى لايكوف و جونسن(أحفاد سارق النار ص ص 87  88) و  معدّدا وجوه الاستعارة لديهما بما لا يفيد شيئا في مستوى التّفطّن إلى إجراء المنهج المذكور في السيرة الذاتيّة على المعنى الّذي ذكرناه. هذا التوجّه الاستعاري كان هو الآخر وجها من وجوه نقل ما عبّر عنه ريكور بال"الرؤبة الاستعاريّةLe voir comme  بمفهومها العرفانيّ إلى مجال السيرة الذّاتيّة لاعتقادنا بأنّ المحكي هنا ليس تخييلا بمعنى هو نصّ أدبيّ قائم على محض الاختلاق.

لقد عمد المبخوت في الحالتين إلى التّمويه و التّعتيم موهما بأنّه يستنبط المقولات و يطبّقها بالعودة مرّة إلى بول ريكور نفسه و بول فاين، و مرّة إلى لايكوف و جونسن مرّة ثانية ، فكيف يتأتى له ذلك بمثل تلك السهولة اوّلا  و مرجعنا متاح  مباح للقراءة قرأه الطلبة فكيف بالأساتذة؟ ، فإن كان لم يقرأه فهذا ممّا لا يؤهله لأن يكون علما داخل نسق محكوم بالتراكم و التطور، و إن كان قرأه( ولا شك في ذلك) فلم المكابرة و نكران جهود الآخرين و التّبجّح بالانتماء إلى المدرسة التّونسيّة الّتّي يعيّن بنفسه من هم أعلامها، هذا إن كان لهذا التّعيين من قيمة تذكر!

كان يكفيه أن يحيل على المرجع المذكور و يمرّ، فضلا عن ضرورة محاورته بل و الإضافة  مبدئيا؟ لعلّه ممن ينطبق عليه قول الآية الكريمة" اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم". و من كان يسير في علمه بهذا الشكل لا يمكن أن نثق فيه مطلقا. و بالفعل ففهم الهويّة السرديّة ظل عنده دائرا على التّعرف الأسطوري للذّات في السرد في حين فرّق ريكور جذريا بين مرجعيّة الحبكة التّخييلية الصرفة            و مرجعيّة الحبكة السرديّة المؤسّسة على الوقائع التاريخيّة Lieutenance بما لا يجيز سقوطها في فهم ينعت بالأسطوري. بل إنّ الدّراسات النّقديّة الغربيّة الأخيرة في الموضوع سائرة بثبات نحو استخلاص الأبعاد الاجتماعيّة و الثّقافيّة و الأخلاقيّة و التّاريخيّة فضلا عن البلاغيّة الكامنة في الهويّة السرديّة متى تعلّقت بمحكيّات الحياة الفرديّة.
أمّا الدليل الآخر على هذه القرصنة العجلى فهو اختزاله المخلّ لكل الملفوظات التاريخيّة في مقولة الحبكة على رأي بول فاين  وعدم تفطنّه أيضا، لو كان من المطّلعين حقّا على بول ريكور إلى خلافيّة الحبكة التّاريخيّة عنده فضلا عن أنّ مدارس التاريخ الحديثة و على رأسها مدرسة الحوليّات École des annales الّتي بحثت في التّاريخ بما هو مدى طويل، قطعت صلتها بالميتوس نهائيا مثلما فعلت الرواية الجديدة تماما. لذلك فاختزال كتابة الذات سواء كانت كتابة حياة أو فكر في الحبكة القصصية المؤسطرة للحياة محض وهم تجاوزته المحاولات التجريبيّة الأوربيّة تماما بما في ذلك النقد الحديث . بل  تسير حركة النقد التاريخيّة  نحو إعادة استيعاب محكيات الذات ضمن هواجسها المنهجيّة من أجل إيجاد

الروابط بين التاريخ منظورا إليه من الداخل، و التاريخ منظورا إليه من الخارج.  و هو ما يبوّئ مقولة الشّهادة اليوم موقعا مركزيا في فهم كتابات الذّات خاصّة  و التاريخ على نحو أعمّ.

و إجمال القول في هذا كلّه هو أنّ البحث عن تحديد منوال واحد للسيرة الذّاتية الفكريّة، سؤال لا يطرح لأنّه ينبع من سوء فهم لجوهر الكتابة الأدبيّة بما هي كتابة سياقيّة متطوّرة و متحوّلة باستمرار. و لا شكّ أن وضعيّات أدب الذّات بما هي كتابات موضوع اهتمام اختصاصات متعدّدة أشدّ تعقيدا على مستويي الإنشاء و المقاربة المفاهيميّة و الوظيفيّة من الرؤية الاختزاليّة الّتي أريد للقارئ أن يقع ضحيّتها. وما تبسيط  هذه الوضعيّة إلاّ نتيجة مباشرة لوقوع الباحث شكري المبخوت خارج هذه السّياقات و تعويله على الحذلقة الأسلوبيّة  و المراوغات، فضلا عن أنّه يشتغل بزاد متهرّئ من معلومات بدائيّة أوّلية  من أجل بناء فرضيات مسقطة و إخضاع حفنة من النصوص لها إخضاعا (آنظر مثلا استبعاده للقيمة الوثائقية دون دراسة من خلال قوله" تسليمنا الضمنيّ بأن السّير الفكريّة من الأدب؟" ص 23. ومنهج المبخوت قائم أساسا على ما يعرف بالمصادرة على إثبات المطلوب، و هو نهج من الاستدلال الدائريّ المبني على المغالطة لأنّ  مقدّماته النظريّة تحتوي ماقبليا على ما يراد إثباته،  بما يجعل النقاش النّظري عنده دائرا في شبه فراغ،  إذ ينتهي إلى حملنا على التّسليم بالمقدّمات المفترضة و كأنّها بديهيّة أو منزّلة تنزيلا بلا أيّ استدلال مثل قوله المذكور أعلاه ب"بتسليمه الضمني بأنّ السّير الفكريّة من الأدب "!)،  و هذه المنهجيّة أضحت في نصّ ظلال الزّعيم  خصيصة ثابتة في تجنيس ما يسمّيه " نصوص السّيرة الذّاتيّة" مثلما سنبيّن لاحقا.

II الزّعيم و ظلاله، السّيرة الذّاتيّة في تونس

راهن المبخوت في هذا النصّ ( وهو يحاكي في العنوان الفرعي من جهة، فيليب لوجون طبعا! و يعوّل من جهة ثانية في العنوان الرّئيس على بلاغة الداهي في فصله المعنون ب" الذّات و ظلالها"، آنظر الحقيقة الملتبسة، 2007 ص.)على إنشاء نصّ بكر يؤسّس  بفارق سنة واحدة من كتابته ل  أحفاد سارق النّار ل  السّيرة الذّاتيّة في تونس ( عنوان فرعيّ/ غير محدّد تاريخيا).  و هو مبحث تأليفيّ تحليليّ بلا شكّ يتطلّب إلماما واسعا و مدقّقا بالنّصوص الذّاتيّة لا في تونس فحسب بل و في الثّقافة العربيّة عامّة. و نحن لا نعرف أيضا للمؤلّف اهتماما سابقا بتقديمها أو بنقدها. لذا فنحن هنا أيضا أمام  لغز جديد، وعذرنا أنّنا لانزال نعتقد أنّ النّقد علم يتطلّب طول النفس و المتابعة المسترسلة لسنوات طويلة، فضلا عن ضرورة التزوّد بجهاز مفاهيميّ محيّن و دقيق، إذ بات النّقد اليوم خطابا عالميا لا عبرة فيه بتنوّع الثّقافات وحدها إذا كانت أدواته غير محيّنة او غير دقيقة بما يجعلها واقعة خارج المواضعات العالميّة المشتركة. لذا فالسؤال المطروح هو : كيف واجه المبخوت الرّهان في سنة واحدة؟

خضعت دراسة النصّ المعني إلى تقسيم من ثلاثة أبواب : باب أوّل هو بمثابة مدخل إلى ما يسمّيه المؤلّف " الفضاء السّيرذاتيّ بتونس"، و ها هنا مشكلة أولى تمثّلت في أنّ العبارة هي في الأصل ل لوجون قصد منها كيفيّات توظيف السيرة الذاتيّة و أدب الذّات عامّة للوقوف على تقاطع المرجعيّ الذّاتي  مع المتخيّل الرّوائيّ، و لكنّ العبارة المقرصنة هنا حوّلت عن وجهتها الأصليّة باعتراف المحوّل لها لتفيد ببساطة           " سياق السيرة الذّاتيّة التّاريخيّ العامّ"، فيصبح حينئذ السؤال المنهجي قائما على النحو التّالي، ما فائدة هذا التّداخل الاصطلاحيّ الذّي سيعطّل حتما نسق الفهم و يشوّشه بالتساؤل كلّ مرّة أين نحن من المفهومين؟ خاصّة و أنّ كلمة سياق واضحة تفي بالغرض. فلعلّها  فيما نرى  صورة التّماهي الأولى مع "الإمام"           و قد تهيّأت بتشكّلها في اللّبوس اللّغويّ! . أمّا الباب الثّاني فهو في ما أسماه المؤلّف ب " السّيرة الذّاتيّة السّياسيّة" و فيه اقدم على التّشريع لاعتبار سلسلة المحاضرات الّتي القاها الحبيب بورقيبة أمام طلبة شعبة الصحافة في مدرج كليّة الحقوق 1973  1974 و عددها تسع، أوّل "سيرة ذاتيّة شفويّة" تامّة الشّروط؟(كذا)(على معنى مطابقتها تمام المطابقة لتعريف لوجون؟ هذا التعريف الذّي لم يكن غير استقراء لمنوال اعترافات روسو و هو قياس يثير على الأقل مشكلة الخصوصية الثقافيّة و بالتّالي مشروعيّة القياس ذاته)في تونس، تحدّدت إلى اليوم بالقياس إليها كلّ نصوص السيرة الذّاتيّة التونسيّة الحديثة. و قد جاء  نص البشير بن سلامة، عابرة هي الأيّام، بمثابة سيرة ذاتيّة، مدلّلا في نظر المبخوت على أنّها " سيرة ذاتيّة سياسيّة" يتحرّك صاحبها / العابر في ظلال الزعيم الّذي نجحت أسطورته الذّاتيّة في تقزيم كلّ من سوّلت له نفسه الاقتراب من ناره الحارقة.

أخيرا تعلّق الباب الثالث بمعالجة "سيرتين ذاتيتين" وسمتا هذه المرّة بالأدبيّتين، أولاهما رجع الصّدى ل محمد العروسي المطوي، و ثانيتهما حنّة ل محمد رجب الباردي. و كلتاهما لا تختلف عن سيرة بن سلامة في انضوائهما مابعديا  حسب المؤلّف  تحت هيمنة ظلال الزّعيم بشكل أو بآخر. و الحاصل من هذا المحتوى المختصر هو أنّ المبخوت يعتبر المحاضرات /الخطب؟ البورقيبيّة بما هي سيرة ذاتيّة معيارا تاريخيا            و مضمونيا أوحد لتقييم أيّ  نصّ تونسيّ كان في السيرة الذّاتيّة.  هنا أيضا – وقبل الدخول في النّقاش المفصّل  لا نملك إلاّ التّساؤل في شيء من الاستغراب المحيّر عن وجه الحكمة من تصنيف السيرة الذّاتيّة هنا إلى" سيرة ذاتيّة سياسيّة" و أخرى أدبيّة؟ و نشهد أنّنا على طول فترة تمرّسنا  بأدب الذّات غربيّه             و عربيّه لم نقف  يوما على تصنيف مثل هذا، فكيف تكون السيرة الذاتيّة سياسية ياترى؟ بأيّ  معيار؟             و كيف لها أن تكون أيضا أدبيّة؟ و هل هذا ينفي ذاك؟ بل هل يجوز هذا الوسم أصلا بالنّظر إلى مفهوم السيرة الذاتيّة الّذي وضعه لوجون و أقرّ المبخوت اعتماده؟ أليست أهميّة الهويّة السّرديّة قائمة في كونها معيارا سرديا في إنتاج معرفة بالأنا مادّتها الحكائيّة السطحيّة ليست غير أداة عرضيّة لأنّها متغيّرة من نصّ إلى آخر؟







          

                                                              
( ☆) جليلة الطريطر

  أستاذة نقد أدب الذّات، جامعة تونس 1/ كليّة العلوم الإنسانيّة و الاجتماعيّة 9 افريل
















.

تعليقات