الدكتورة جليلة الطريطر تكشف عن معطيات خطيرة حول المبخوت وجائزة الملك فيصل (9)


شكري المبخوت ناقدا للسّيرة الذّاتيّة في ميزان العلم


                                                                     تسألونني ما ميزان العلماء؟ أجيبكم بأنّه أخلاق العلماء،        
                                                                     أوّلها التّواضع و آخرها الأمانة
                                                                                         

         جليلة الطريطر







خاتمة

هذه قراءة علميّة دقيقة متأنيّة لكتابين "دبّرا بليل" إذ كتبا في سريّة مطلقة، و تعتيم مريب لم يترك الفرصة لأهل الاختصاص للإطّلاع عليهما و إبداء الرأي. هذا و قد أقمنا الدّليل على أنّنا بإزاء نزعة نرجسيّة غير مهتمّة بأخلاق البحث و قيمه. و العجب العجاب هو صدور الكتابين في وقت قياسيّ لا يسمح بأيّ تعمق،             و كأنّهما كتبا في سباق مع موعد الجائزة.  و يبقى سؤال ضمنيّ قائما، لم لم يضف المبخوت للّغويّات و هي مجال اختصاصه شيئا يذكر؟

 إنّنا بإزاء حدث غير مسبوق في تاريخ النّقد في الثّقافة العربيّة ، أقلّ ما يقال فيه أنّه يروّج لتصوّر خرافيّ أو إن شئنا أسطوريّ للممارسة النّقديّة يراهن على الغفلة  بعد أن ظننا أنّ زمن الأساطير و الخرافات في العلم قد ولّى بلا رجعة، ولكن يبدو أنّ هامش الخطإ في تقديرنا كبير جدّا، كيف لا و هذه جائزة الملك فيصل رغم ما عرف عنها من جديّة تزكّي في فرعها الأدبيّ لسنة 2018 الأسطورة، و تسوّي بين إحسان عبّاس، أو عائشة عبد الرحمان، و شكري المبخوت! الذي لا يقرّ له – على حدّ علمنا‑ أيّ ناقد عربيّ مطّلع  بقدم راسخة في العلم بكتابات الذّات أو السيرة الذّاتيّة و لا حتّى في الأدب، لأنّه منذ التّسعينات لم ينتج في هذا المجال شيئا يذكر، و ما نصّه الأوّل إلاّ نصّ مدرسيّ جنينيّ، أو هو عابر سبيل تجاوزته الأحداث كليّا.

لقد عهدنا النّقاد الأفذاذ ينفقون الأعوام و السّنوات الطويلة من أجل بناء أنساق نقديّة تدلّ على اجتهاداتهم المضنية المتواصلة في الزّمن، و في ذلك يتجلى شموخهم، و ما إسناد جوائز لهم في مثل هذه الحال إلاّ تأكيد لما هو مؤكّد مكرّس، أمّا أن تتحوّل الجائزة إلى ضرب من حسن الطّالع او البخت او الأحجية الّتي يتبارى المتبارون في فكّ ألغازها إلى آخر لحظة،  فهذا لعمري العجب العجاب نطالعه في الواقع لا في الحلم، و هو ما لا نظنّه يمكن أن يحدث في غير الثّقافة العربيّة. لربّما حصل المبخوت أو غيره ذات يوم آت إن شاء اللّه على جائزة عربيّة على ما لم ينتج بعد، أو على ما يعتزم  القيام به مستقبلا . من يدري كلّ شيء ممكن اليوم! لقد أضحى تهاطل الجوائز على "عبقريّات" المبخوت من فرط "سريالته" مشهدا يثير الفكاهة أكثر من العجب.

 لذا فإنّ عدم تمكّن المبخوت من شروط أدب الذّات عامّة و قواعده الأساسيّة ‑ و هو ما أقمنا عليه الحجج                و البراهين العلميّة‑ يدلّ على أنّه يتعاطى الكتابة النّقديّة في مثل هذا المجال الدّقيق معوّلا على المراوغات الأسلوبيّة و التّعميم المخلّ ، فضلا عن التّلاعب بالعبارات حدّ التّناقض من سياق إلى آخر، و الجهل الواضح للعيان بدقائق هذا الاختصاص، و ليس ذلك من الاجتهاد في شيء، أو من النزاهة المعرفيّة في شيء. لكلّ ذلك و لأنّ المبخوت  دخيل على هذا الاختصاص ليس ممن أضافوا إليه شيئا يذكر، فقد بات من الواجب إجلاء هذه الحقائق الّتي يعدّ الصمت عليها بمثابة التستّر على ما لا يقبله عقل و لا علم. هذا فضلا عن ضرورة التّنبيه إلى مخاطر المتسلّلين إلي هذا الاختصاص في غفلة من أهله، ذلك أنّ  مثل هذه المؤلّفات المتسرّعة الّتي تكتب جريا وراء اصطياد الجوائز هنا و هناك تنتج مرجعيّات محرّفة لما هو متداول في مجال يحتاج إلى تدبّر كبير و إضافات محكمة ناتجة عن متابعة مستمرّة.
الحديث عن قضايا الهويّة هو في صميمه حديث في العمق عن وعي الشعوب الثّقافي برهانات تاريخها الماضي منه و الحاضر و المستقبل[1] على حدّ سواء، و هو أمر جليل لا يعالج بالتلفيق، ولا ينفع فيه التّرويق. وآخر قولنا" فأمّا الزّبد فيذهب جفاء، و أمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض".


                                                                  جليلة الطريطر


                       أستاذة نقد أدب الذّات، جامعة تونس 1/ كليّة العلوم الإنسانيّة و الاجتماعيّة 9 افريل







[1]  نشير اليوم إلى حصول نقلة نوعيّة في ممارسة كتابة الهويّة متمثّلة  بغزو الثّقافة الرقميّة لعوالم كتابة الذات الافتراضيّة. نحيل في هذا الموضوع على مجهودات المغاربة المتقدّمة في الموضوع، كتابات زهور كرّام و سلسلتها الجديدة، محمد الداهي له مساهمات الكترونية ايضا. و قد قدّمنا بدورنا قراءة في أدب الذّات الرقميّ (غير منشورة بالكامل) ضمن ملتقى أصيلة / المغرب 2016.

تعليقات