محمد عمار شعابنية يكتب مأساة المناجم شعرا

قصيدة المناجم

شعر : محمد عمار شعابنية

تشـْكو المناجمُ مـن أفـُــول  شبابـِها
ودمَـار أنـفـَـاقٍ خـَـوَتْ لِخـَرابـِهـــا

ومَـدَارِ تاريخٍ تـنـاسـى صوْتـَهـــا
عمْـدًا، فما حَمَـلـتـْه فـي أتعابـِهــا

قـرْنٌ وبعض القـرن مَـرّا مثــلمــا
لهَبٌ يُغـَـذّي الجمـْرَ من أخشابـِهـا

قرْن وبعض القـرن ،جيلٌ يختفـي
جيلٌ يُرِيق العمْـر فوق ترابـِهــــا

جيلٌ يداهُ على المعاول أصبحــتْ
حَجَـرا ونط َّ الكدْحُ من أعصابـِها

جيلٌ يمُـدُّ الحُلـْمَ منتـظـرا متـــــى
سيَحطّ أقـْدامًــا على أعتـًـابِــهــــا

جيلٌ سيأتـي كـَيِْ يقـولَ بحُـرْقــــةٍ
عـَفـَتِ الدّيارُ وَشاب رِيشُ غرابها

هي لمْ تزَلْ بأزيزها وضجيجِهـــا
فوْق الـثـّـرى بدخانهــا وضبابـِها

لا ليْلَ يرْقـــد هادِئـًا في حضـْنِهــا
لا نجمـــةٌ حطـَّتْ عـلى أهدابـهـــا

لا ورْدَ فـي يدِهـا ولا مِن جُهْدِهــا
عَـرَقٌ  يهـيّئُ سُكــّرًا لرِضابهـــــا

هـوَ مـا يَنـُزّ من السواعــد ساخنـًا
ومنَ الرّقاب السّمْر في اشْرِئـْْبابـِها

هوّ مـا يُـذِيبُ الصـّخر بيْن أكفـِّّهــا
ويصُبّ زيْتَ الحَمْـض فـوْق إهابٍها

في كلّ ( قـنّاريّـة"×") أقصوصـة
عمّـنْ أضاعوا العْمرَ في سردابَها

في كـلّ جـسْـمٍ لوْثـةٌ صدْريّــــــــةٌ
كلّ العـروق تذوق طعْـم عـذابـِهـا

في كلّ بيْـــتٍ للمداخــن قــهْـــــوَةٌ
يُـسْـقى رغيـف الخبْز من أكوابـِهـا

في .. ليس لي حَصْرٌ لكلّ همُومها
فأنا مَزجْت ُحضُورَها بغيابـِهـــــا

وأنا ،الذي من رحْمها ،لا أرتضي
جُحْرًا كسُــــولا لانبطاح ضِبابـِهـا

وهْـي القصيدة في عروقـــي إنمـا
بيْتُ القصيدة في حـُروف كتابِهـــا

وهي الأمُومـة والأبـوّة والأخـُـــــو
ـوَةُ والبُنـُـوَّةُ في عُـرَى أنسـابـِهـــا

لوْ عُـرْوَة فـُصِلـْت لكنتُ أسِيرَهـا
وأسِيِرَ مَن نـَاوَيـتُ مِنْ أغـرابـِها

آخيْتُ بين الطـَّيْر والأشجــار فـي
ساحـاتِها لتـَرى قـطِيـعَ سحـابِـِهــا

يجـْري فتسألُ مِلْءَ حيْرَتِها هـَل إمـْ
ـتَنًعتْ سماءُ الله عن إخـْصابـِهــا؟

تلك السماءُ شحيحةٌ فمَـــــن الـذي
يطوي بسَـاط الشـَّحِ عند عِتابـِها؟

يا قلـْبَ عَمّارَ الذي شرِب الضّنـى
كـُنْ زعْـفــرَانا في أُجَـاجِ شرابـِها

كن خيْمــة للإعـتصامــاتِ التـــي
لمْ تــُؤْوِ مُعضلـةً لغـيْـر شبــابـِهــا

للجائعين إلى الحياة ورُبـمـــــــــا
سبُّوا الحياة لعُـهـْرِهـا وعـُجَـابـِها

للساهريــن يطاردون عصـابـــــةً
وحْشيّــةً بكلابــهـــا وذئــابــهـــــا

تلك التــي أكلـَـتْ لحُومًــا نـَيـّـــــةً
تـُــشوَى بـِلا نـارٍ على أنـُيـابـِـهـــا

وتـفـَنـّنـتْ في أكـْلـِهــا وشَــرابـِهـا
وتــَرَنـَّحَتْ تـَذرُو غـُبَار يَـبَـابـِهــا..

هِيَ دونمــا مَــدٍّ تلـُوك حيـــاتهــــا
والجَــزْر مـُنـْكـَمِشٌ كـطـَيِّ ثِيـابـِها

هي إذْ تشـُحّ جبالـُها ستنــــام فـــي
نـَسْــيٍ كَـنـَوْم نِجادهـا وهـضابـِِهـا

من أي عيْن سوف يشرب نسـْلهـا
إنْ جَـفَّ يُنبــوعٌ لنشْر خـَرَابـِهـا ؟

من أيّ كأس سوف ترْشفُ يا غدي
إنْ عشتُ مشتاقا لمِسْك رضابـِهـا

ولـئـنْ تلـَبـّســـهــا ربيــع قــاحـــل
يَسْـرى حثيثَ العُقـْم في أعشـابـِها

مـاذا سـتـَفـعـل دولـة برُفـاتِــــهـــا
مـاذا .. وقد فتحتْ سِجـِلّ عقـابـِهـا

لتـُدِبنـَها مـغــْلـــولـةً مُـنـْهـــــــارةً
وهـيَ التي لم تـقترب ْمن بـابهـــا

لوْ ينطق المنهُوبُ من ثرَوَاتهـــا
لبكـَى كظِيمًا من فرَاغ جـِـرابهــا

لوْ .. لو تبُوح حكومــة بذنوبهـــا
لاستعجلَ الفـُسْـفاط يـَوْم حسابهــا

المتلوي / تونس في 8 و9 مارس 2018
ــــــــــــــــــــــــ
"×" Galerie  بالفرنسية وهي النفق أو الداموس الذي يُستخرج منه الفسفاط. .

تعليقات