علامات مارس 2018 - ثالث بقلم رياض المرزوقي
************************************
( العلامات روح الطريق )
*************************************
77 - الهوية ... والنسبة " تساءلوا من أنا لمّا تمرّ القرون "
اقتنيت منذ سنوات كتابا في رحلة الى الجزائر عنوانه " القياس في العربية " , ومؤلّفه
محمد الخضر حسين الجزائري , وهذه النسبة مثبتة على الغلاف .
وكنت أتصوّر أنه سميّ الشيخ النفطي التونسي المعروف الذي تولى مشيخة الأزهر , فإذا
به هو بعينه , والرجل جزائريّ الأصل من نواحي ( بسكرة ) إذا لم تخنني
الذاكرة , فجال بذهني أن العرب كانوا قديما يضعون أنسابا متتالية للعلم الواحد , حسب
أصله , وولادته , ونشأته , ورحلاته , ووفاته .
فمحمد الخضر حسين إذن جزائري , تونسي , وربّما مصريّ .
وقريبا من هذا جدل كبير دار بيني وبين بعض الأساتذة الجزائريين , وأستاذي المهاجر
عبد المجيد التركي , حول " تونسية " ابن خلدون .
كان ذلك سنة 1979 على أمواج الإذاعة الوطنية , في برنامج اختفى اليوم , وهو اللقاء الشهري بين إذاعتي تونس والجزائر . وكان يشاركني في الجانب التونسي الصديق ( توفيق بن عامر ) , ويدير الحديث المرحوم ( صالح جغام ) .
كنت آنذاك شديد التعصّب , كثير العناد . فأصررت على أن ( ابن خلدون ) تونسيّ بالأساس . واحتدّ النقاش إلى درجة الغضب .
واليوم , أعتقد حقّا أن كل هذه الأنساب ليس لها معنى كبير , حيال الثقافة العربية
الإسلامية التي تطبع
تفكير هؤلاء الأعلام , وآثارهم .
أذكر أيضا حملة شعواء شنّها أحد أساتذة الجامعة اللبنانيين على ابن خلدون
لهجومه المزعوم على العرب , والحال أن الرجل عربي خالص النسب , وقد
تطرّق في مقدمته إلى " الأعراب " أي البدو . وقد بقي نعت البدو بالعرب عندنا
إلى نهاية القرن التاسع عشر في كتابات المؤرخين , والمصلّحين .
كتبت آنذاك بطلب من المرحوم صالح جغام في مجلة الإذاعة مقالا " جدليا "
هاجمت فيه اللبناني هجوم المدافع عن ابن وطنه , وبالغت في القول إلى حدّ
يؤسفني اليوم حين أعود إليه .
لقد استبدلت كل تلك الحميّة الشبابية ب"رصانة " الشيوخ , كما استبدلت
الرومانسية بكثير من التأمل في الحياة والموت , وبشعور ملحّ بأن الزمان
غربال تنزلق من ثقوبه حماستنا , وما نتصوّر أنه مباديء .
تعليقات
إرسال تعليق