الوحيـــــد

الوحيـــــد
بقلم      منذر العيني
                                                                 
جلسَ لِوحدهِ على حافّةِ البحر، قاسَ الوقت بِتدفّقِ الموجات. الرّؤية الدّاخليّة لم تنشط بعدُ ظلَّ يُمعنُ النظر في المراكب الصّغيرةِ في عرضِ المتوسّط حينها رنَّ جرسَ هاتفه الجوّال
إنّهاهيَ
_ألو
_ إنّي مرهقة . عليكَ أن تأخذني من هذا الجحيم  فسقفُ الغرفة يكادُ ينهدُّ على جسدي النحيل .حبيبي إنّي أعرفُ أنّ رؤياكَ لا تنشطُ إلا بوجودي، نحنُ إثنان في واحد أحدسُ أنّكَ أمامَ الأزرق .
_أوكِ أوكِ ماذا بعد أنا الآنَ مشغول رُبّما سأمرُّ على المبيتِ بعد الغروب ربّما سنقيمُ حفلةً أحضري نفسكِ
_ ما أجملكَ حبيبي ما أجملك أيّها الشّاعر
_ لستُ شاعرًا أنا مجنون
_أوكِ أوكِ ما الشّعرُ ؟ ما الجنون ؟ما ألطفهُ هذا الكائن بريءٌ براءة أطفال الرّيف
هيّا يا مُنى هيّئي نفسكِ الآن الوقتُ يمرُّ .
كلماتٌ آستمدّت منها الفتاةُ الطّالبة ُ عافيتها بعدَ يومٍ صعبٍ من آمتحاناتِ النقلة .
الشّمسُ الآنَ تحمرُّ على الشّرفةِ بدأت تنزلُ قاعَ الأرضِ ليغوصَ معها قلبُ الصبيّةِ يفتّشُ عن ياطرِ أحمد.
الصّمتُ يُطبقُ على حالة الرّجلِ المنتظرِ شدواه. ظلّتِ المراكبُ الصّغيرةُ تَشحنهُ بأحلامِ اليقظةِ، بدا موغلاً في القدمِ إذ تراءت لهُ أطيافُ أجدادِهِ إذ كانوا فينيقيينَ أحرارا لم يخونوا قاوموا بؤسَ الزمن الغادرِ مع قائدتهم علّيسة . كانت تهمسُ لهُ في وِحدتها عن حكايتها الحقيقيّة و هوَ يتوحّدُ معها في السرِّ يغمسُ نظرَهُ في عينيها فتلتفتُ إلى البحرِ و تقولُ لهُ
_وَجعَتُنا واحدةٌ رفيقي اِذهبْ نحوَ الشّمسِ و آترُكْ سبيلَ المراكبِ للأمواجِ إنّها تعلمُ المأوى
_حسنًا
لم يجدْ عِلّيسةَ كانت تعلمُ أنَّ طاقمها كُلّهُ من عُشّاقها غيرَ أنّها نذرتْ نفسها لرجلٍ واحدٍ .
السّنونُ تمُرُّ دونَ عناءٍ و الدّورانُ يطنُّ في أُذنِ الرّائي . الرّؤيةُ الدّاخِليّةُ أخذتْ في الإبعادِ، قِصَصُهُ آنبنت على مفارقة هي: الآنَ والذّاكره .
عِلّيسةُ الطّالبةُ آكتشفتْ فيهِ إغراقهُ في الماضي إذ كُلّما نظرَ إلى عينيها الجميلتينِ تواترتْ على لِسانهِ جملٌ قديمةٌ
_كم جميلةٌ أنتِ يا عِلّيسة
_لَستُ عِلّيسةَ أفقْ من نومكَ
_ كم أنتَ فاتنةٌ يا آبنةَ الفينيقْ
_ من أدراكَ أنا عربيّةُ الأعراقِ أبي عربيٌّ و أمّي أيضاعربيّةٌ و بعدَ شهرينِ ستطلعُ عليكَ نتائجُ إحرازي على شهادةِ الإجازةِ في مادّة العربيّةِ
_ كم أنتِ وفيّةٌ لإصرارِ الأجدادِ
_أوفْ مادُمتَ على هذا الهذيانْ سأترككَ في الحال
كانَ لحديثها رائحةٌ خُرافيّةٌ تفتنُ الإنسَ و الجانَ، هوُ بهلوساتهِ وهيَ بواقعيتها الملحميّةِ
_متى ستخطبُ ودّي من أهلي ؟
_لا أدري ...
_كيفَ لا تدري و نحنُ عقدنا مساراتنا و بُحنا لأنفسنا بِما لا يتخيّلُهُ العقلُ .
الأصدقاءُ و الخِلاّنُ و العالمُ كلّهم لاكوا حكاياتنا و آنتشَوْا بِنجوانا
_لا أدري. لي نيرْفانا لا أعلَمُها متى تأتي . إذْ كُلّما فكّرتُ في الزّواجِ راودتني طُفولةٌ نزقةٌ تأبى أن تراني سجينَ آمرأةٍ حتّى ولو كنتُ أنتِ بالذّاتِ أيّتها الفينيقيّهْ.
مثلَ ثقوبٍ سوداء كانت الدّقائقُ بينهما تكشفُ عن ظلمتها
_ مهلاً حبيبتي لا تطردييني من كوخِك باكرًا ربّما عندما أصحو من طفولتي المُطحلبةِ برائحةِ النسيانِ سأعودُ إليكِ بلا جواز سفرْ .
_ أنا ملللتُ الشّعرَوالشّعراءِ . أتدري أنا رفضتُ كلَّ العالمِ رجالاً أثرياء أبناءَ خالتي أبناءَ خالي كلّهم رفضتهم من أجلِ أن أفوز بكَ أيّها المجنون أنتَ بالذّات .
الصمت مُطبقٌ كالعادة. عندما لا تجدُ الدّروبُ الضَيّقةُ من يمرُّ بها ترقصُ الجنيّاتُ خلفَ المزاراتِ لِتعبقَ من أطرافها رائحةُ النّعناع الطّفوليِّ .بِصمتٍ آسرٍ للّحظةِ إنسحبتُ تاركًا دُموعًا منهمرةً تجرُّ أذيالها على رصيفِ العودةِ. بصمتٍ فادِحٍ الأزرقُ كانَ ملجئي الأخيرَ إلى التفكيرِ في هذا القاصِّ المغبونِ تركَ نفسهُ للحِبرِونسيَ طاقمَ الحِكاية :المُعزّينَ الذّينَ لم يأتوا،الشّخصيّاتِ التي لوّحت بمناديلها من على ظهرِ السّفينةِ :" أدخلنا في الألعابِ ، قُم بواجِبِكَ لِنجنيَ كثيرًا من المُنصتينَ "، جماعةَ الدّيكوٍرْ والأوصاف أيضًا بِبيارقها المزركشةِ يُريدونَ الحُلولَ على السّطحِ حتّى لا تغرقَ الكلماتِ في ملامِحِ الشّعرِوأعطاف الرّؤى .
وهوَ بصمتٍ خاسئٍ لا زالَ يُداوِرُ أمرَ البطلةِ .
هيَ عن نفسِها نَسِيتهُ ذهبتْ بعيدًا تزوّجتْ أنجبت صبيانًا، تَعرفونَ بقيّةَ الحدّوتهْ وهوَ بقِيَ يراودُها على سطحِ الموجِ إذ تتراءى لهُ جِنّياتُ المزارِ مثلَ غجريّاتٍ أطيارٍ لا يقعنَ إلاّ على من تاهَ، وعدنهُ بخواتمها الملكية و نقضنَ الوعدَ، فآستمعَ إليهنَّ، رقصنَ لهُ الفلامنكو
و شربَ معهنَّ الفودكا الأبسلوتْ حتّى ينسى، لكنّهُ لم ينسَ. ظلَّ بلا شخصيّاتٍ ولا أعوان يَطوّفُ حولَ كعبتها وهيَ نائمةٌ مثلَ مدام بوفاري تتذكّرهُ و تدفنَ رأسها بينَ الوسائدِ .
أخيرًا أتمّوا أنتم الحكايةَ إنَّ لهُ عملاً آخرَ سَيُنجِزهُ لقد أحضرَ حبلاً مثلَ حبلِ المِشْ....و قصدَ البحرَ.
الرّؤيةُ الدّاخِليّةُ : أحضرَ كلمات الشّهادة و قصد البياضَ رُبّما بدتْ التخييلاتِ مثلَ ذباباتِ مجنونةٍ داخلَ غرفةِ مُظلمةٍ لكن لا يهمُّ تعرفونهُ الآنَ أينَ .
إنّهُ بينكم أتمّوا حكايتكم و ناموا............................  

تعليقات