معجم بورديو : اقتصاد الممارسات

   اقتصاد الممارسات
Économie des pratiques                                       
     
  

تعريب : الدكتورة الزهرة براهيم

    من أجل أن تصير أفعال وتفاعلات الفاعلين الاجتماعيين مدرَكة بالفعل بطريقة غير تنقيصية، وتحديدا المنافع والبواعث التي تجعلهم يتحركون، يقترح بورديو تهييء اقتصاد للممارسات، يكشف، من خلال قبول واسع لمفهوم الاقتصاد، البنيات الموضوعية (بنيات بانية) والبنيات الذاتية (بنيات مبنية) التي توجه اختياراتهم (في الغالب الأعم تكون غير متبصرة بالرغم من أنها عقلية)، هذا من دون أن تُخضع تحليل الممارسات لتحديدات خارجية أو داخلية: «(...) يوجد اقتصاد الممارسات، أي عقل كامن في الممارسات والذي لا يجد "أصله" لا في "قرارات" العقل كتقدير واع ولا في التحديدات الآلية الخارجية والفوقية بالنسبة إلى الفاعلين».1 وهكذا تصدر طوبولوجيا تَناغم الهابيتوس، باعتباره المنطق الجوهري للممارسة (منطق المنفعة والاستثمار والاستشراك في اللعب والرهانات) التي تستجيب لـ «عناصر أخرى كالأسباب الآلية والغايات الواعية»، وتذعن «لمنطق اقتصادي دون أن تذعن لمنافع اقتصادية بدقة تامة».2

فالنظرية العامة لاقتصاد الممارسات يميز (في المعنى الذي نتكلم فيه عن علة وظيفة ما) أفعال الفاعلين بوصفها «مسكونة بنوع من الغاية الموضوعية من دون أن تكون منظمة عن وعي بالنسبة إلى نوع من الغاية المركبة بوضوح، إنها (أفعال الفاعلين) مدركة بالعقل ومتسقة من غير أن تكون متحدِّرة من نية الاتساق أو من قرار مقصود، إنها مضبوطة على المستقبل من دون أن تكون نتاج مشروع أو تصميم».3

           يتكون العالم الاقتصادي إذاً من عوالم اقتصادية عديدة (الحقول)، وكل واحد منها يملك عقلانيته النوعية ويطالب بالاستعدادات المعقولة المناسبة و«علله العملية».4 إن واحدا من أبعاد هذا العالم يهم نقل الثروات الرمزية (المثقلة بالدلالة المعترف بها من طرف الفاعلين). فاقتصاد المبادلات الرمزية هذا (مثلا ذلك الخاص بالمؤسسات المانحة5 -أو سوق الثروات الرمزية الذي ينشأ داخل الإعالة السوسيولوجية-6، أو أولئك الذين تفسح لهم المجال الإنتاجات الدينية أو الثقافية وتلقيها) يقوم على نفي المنفعة والتقدير العقلي (مثلا مبادئ الفن للفن، أو ذلك المتعلق بـ "النبالة تفرض كذا...")، وبكيفية عامة على سوء نية فردية أو جماعية بشأن القيمة الكلية المفترضة لعدم الاستشراك الذي يميز التبادل للوهلة الأولى. اقتصاد الثروات الرمزية يضاعف الفضاء الاجتماعي بفضاء رمزي، يرِد هكذا في جميع أبعاده (بنيوية، ووراثية، وترتيبية وطوبولوجية) إنتاج «سلع عقلية» -ليستعيد عنوان أحد كتب Vincent Descombe (سياسية، دينية، ثقافية) والمعارك الرمزية (التي تتخذ من الاعتراف والمشروعية رهانها الأساس) بحيث تصب فيها هذه الأخيرة: «مطبقا، بواسطة قطيعة جديدة، نمط الفكر البنيوي (...) ليس فقط مع العمال (مثل البنيوية الرمزية) ولكن أيضا مع العلاقات بين منتجي الثروات الرمزية، يمكننا إذاً أن نبني، بصفتها هكذا، ليس فقط بنية الإنتاجات الرمزية، أو أفضل، فضاء اتخاذ المواقف الرمزية في مجال الممارسة المحددة (مثلا الخطابات الدينية، ولكن أيضا بنية نسق الفاعلين الذين ينتجونها، على سبيل المثال، القساوسة والأنبياء والسحرة، أو بشكل أحسن، فضاء المواقع التي يشغلونها، مثلا ما أسميه حقلا دينيا) في المنافسة التي تجعلهم في مواجهة بعضهم البعض: هكذا نخول لأنفسنا الوسيلة لفهم هذه الإنتاجات الرمزية. في نفس الوقت داخل وظيفتها، وفي بنيتها وتكونها على قاعدة فرضية أثبتت صحتها تجريبيا، للتماثل بين فضاءين».7

        إذا كان الفضاء الاجتماعي خاضعا لتبعية البنيات الأساسية لا سيما تلك الخاصة بالاقتصاد (بحصر المعنى)، فإننا لا نستطيع مع ذلك تقليص تحليله إلى معالم "التدبير الاقتصادي" ويشيد بمعايير كلية ما ينتج عن «نسيان الظروف الاقتصادية (بمعنى واسع) للإذعان إلى قوانين العالم الاقتصادي» بوصفها تكوّن بنية الممارسة العقلانية، يعني المهيأة أفضل لتحقق بأقل التكاليف الأهداف المسجلة في منطق حقل معين، هذا الاقتصاد يمكن أن يحدد بالنسبة إلى جميع أشكال الوظائف التي تعتبر واحدة من بين غيرها هي بلوغ الحد الأقصى للمنفعة بالمال وحدها المعترف بها من لدن رجل الاقتصاد.8
          
         فالممارسات الاقتصادية تماما (إنتاج وتبادل الثروات المادية والخدمات التي ينبغي أن نضيف إليها تداول الثروات المالية) ليست، لدى بورديو، إلا جزءا من نظرية عامة إلى حد كبير تهم إبداع ومراكمة إعادة الإنتاج وتكييف مختلف أنواع الرأسمال، وكذا معرفتها واعترافها بتأثيرها باسم الشرعية «إن نظرية الممارسات الاقتصادية تحديدا هي حالة خاصة لنظرية عامة لاقتصاد الممارسات».9 فالتبرير الاقتصادي يدل على نزوع لتقديم الاقتصاد (ومقاييسه) مثل «معطى طبيعي وأزلي»10، إذاً، فمهما أن التحليل السوسيوتاريخي يبرزه كمجرد حقل، مهم طبعا، والذي استقل ذاتيا لأسباب عديدة، في بعض المجتمعات الإنسانية، إلا أنه لم يصبح، بهذا الفعل، ذا شرعية حتى يفرض هيمنته، على النظام السياسي كما على نظام المعرفة، فهذه الأسباب، لا تسمح، بالإضافة إلى ذلك، بتفسير عدد كبير من الممارسات (التي هي نزيهة على ما يبدو).

هوامش اقتصاد الممارسات:
1-Le Sens pratique, coll. « Le sens commun », Éd. de Minuit, Paris, 1980,  p. 85.
2- Ibid- P. 85
3- Ibid- P. 86.
4- cf. Raisons pratiques. Sur la théorie de l’action , Éd. du Seuil, Paris, 1994, chapitre. 6, L’Économie des biens symboliques.
5- cf. Méditations pascaliennes, coll. « Liber » Éd. du Seuil, Paris, 1997,  p. 229.
6- cf. La Misère du monde, (sous la direction de ), coll. « Libre Examen », Éd. du Deuil, Paris, 1993,  p. 905.
7- Méditations Pascaliennes, ibid,  p. 212.
8-Le Sens pratique, ibid, p. 85.
9-Ibid- P. 209.
10-La sociologie de Bourdieu,  (Textes choisis et commentés), A. Accardo, P. Corcuff, Le Mascaret, Bordeaux,  1968, p. 105.



تعليقات