في الفن المسرحي : المغالطة المسرحية(1)

بقلم : حسن الزمرلي

أن جميع الفنانين يستعملون _ كل منهم  في دائرته _  شيئا من الحيل لإبراز ما يختلج في نفوسهم من احساس أو عواطف في القالب أو الشكل!  والصيغة القارة التي يثيرون بها في نفوس غيرهم ذلك الإحساس أو تلك العاطفة .
وهذه الحيل تساعدهم  على اتمام مالايجدونه في الوسائل المادية الموجودة لديهم لتأدية الطبيعة بأبهر وأصدق أسلوب ممكن.

فالشاعر يزيد خياله حسنا وجمالا  ويكسبه رنة موسيقية باستعمال حيل الوزن والقافية.
والمصور يضع على بساط لوحه  صورا لها  طول وعرض وعمق باستعمال حيل تجعل المشاهد يتوهم حقيقة ذلك الطول وذلك العرض وذلك العمق بالرغم عن بساط اللوح ، وهكذا في جميع الفنون.

والتمثيل الذي هضم جميع الفنون وكون منها فنا خاصا به يستعمل بدوره  زيادة عن الحيل التي يمتاز بها كل فن بمفرده حيلا آخرى خاصة به ليقوم  بالمأمورية الأصلية التي خلق لأجلها وهي تحليل الانفعالات النفسانية.

ومن الحيل المسرحية ماهي مقبولة عقلا كاستعمال الكهرباء لانارة الخشبة لتصوير الليل والنهار والشمس والقمر والريح والزوابع أو لمساعدة  الممثلين على تغيير ذواتهم حسبما يقتضيه موقفهم في مختلف فصول الرواية أو استعمال مناظر من دون ورق وخشب أو استعمال شخصيات متفق على وجودها في المسرحية ولا وجود لها في الحياة الواقعية كالخادم في المسلاة الرومانية القديمة  والصديق  النجي في الفاجعة الكلاسيكية وغيرهما.

والمتفرجون كلهم  يعلمون ذلك حق العلم ولكن حسن الإخراج  وتضامن جميع العناصر بعضها  لبعض  يوهمهم  طيلة حصة تمثيل الرواية بحقيقة مايشاهدون.

من ذلك نتبين أهمية الإخراج في تمثيل الروايات لأن رائد الفن المسرحي هو الاحتفاظ بالمتفرج في ذلك العالم الخيالي الي كونه لأجله من جمعه لعناصر وعوامل متباينة في الأصل متضافرة للغاية. وإذا وقعت هفوة فإن وقعها في نفس المتفرج يكون كوقع الدوي الذي يخرج النائم من لذيذ الأحلام.

بيد أن هناك حيلة عجيبة في بابها يستعملها المؤلفون الروائيون لا مراعاة للحقيقة التي هي غاية كل فنان بل لمغالطة المتفرجين واشعارهم بعواطف لا وجود لها في الحياة الواقعية وإنما هي موجودة في نفوس عدد كبير من أولئك المتفرجين. وهذه العواطف تختلف باختلاف نفسيات الشعوب والجمهور  يقبل هذه المغالطات الملائمة لذوقه ولما يتمنى وجوده ويصادق عليها بل ويتعجب من عدم وجودها في كثير من المسرحيات.


تعليقات