الإشارة في الرواية المضحكة (2)

الإشارة في الرواية المضحكة

بقلم : حسن الزمرلي

نعم إن الوسائل المستعملة في هذه الظروف هي وسائل بسيطة والضحك الذي ينتج عن مشاهدتها  هو في غالب الأحيان صادر عن ملاحظة خلل في توازن الأشياء كما هو راسخ في كل فكر سليم  مثل طول الأنف إلى حد يفوت المعقول، وامتداد شحمة إحدى الأذنين،  واعوجاج الرجلين وعظمة المؤخرة مع صغر الرأس، وتمزيق الثياب في أماكن جعلت الثياب لتحقق سترها وغير ذلك .

ولكن الفكر البسيط،  مع سلامته لا يتمتع بتلك الملكة التي تكسبها الثقافة والعرفان لتسوية مايشاهد من الاعوجاج بسرعة خاطفة فيثير فيه ذلك الخلل قهقهة يعبر طولها على بساطة عقل صاحبها.

ولنضرب مثلا لايضاح  هذه النظرية التي اتفق عليها جميع الفلاسفة الذين بحثوا في جوهر الضحك ودرسوه درسا جيدا وفي طليعتهم الفيلسوف الفرنسي الكبير "هنري برقسون "  والعلامة الاختصاصيفي المسائل التمثيلية استاذنا " فيليكس قاف " الذي أملى علينا النصيب الأوفر من هذه النظريات.

لنتصور جمعين من الناس أحدهما من العوام الجهلة والآخر من الشخصيات المثقفة المهذبة مارين في طريق واحد وإذا برجل محترم في سنه ولباسه ورصانته يزلق ويقع أمامها على الأرض فترى الفريق الأول تأخذه قهقهة من ضحك ناتجة من دون أدنى شك من الخلل الذي وقع في توازن الأشياء التي تعودوا مشاهدتها، ونرى الفريق الثاني يتمالك عن التظاهر بنفس الشعور الذي أحدثه في نفسه ذلك الخلل لأن أفراده يتمتعون بتلك الملكة التي تمكنهم من وضع المظهر المضحك  في أقل رتبة من المظهر الجدي للحادث وهو أن هذا الرجل الذي وقع على الأرض أصبح في خطر وفي حاجة أكيدة.  ولا يضحكون إلا بتكتم واحتشام وفي المواقف والمناسبات التي يقيمون لها الدليل على أنها مضحكة عقلا.

ومن جملة هذه الملاحظات يفهم لأي سبب لا يحضر المثقفون تمثيل الروايات المقدمة تحت عنوان روايات مضحكة والتي لا يستعمل فيها المؤلفون والممثلون إلا وسائل الاضحاك المبتذلة،  تلك الوسائل التي لا تروق لذوي الأفكار المنيرة والثقافات المتينة.

تعليقات