ليلى الركباني تحتج على بشاعة العالم

                  مر عيسى عليه السلام مع الحواريين بجيفة فقالوا ماأنتن ريحها
                   فقال: ماأبيض أسنانها

                   
                   كتب الشاعر التشيكي ماشا قصيدة في وصف رائحة فضلاته

                   كتب بودلير قصيدة في وصف جثة

عبر النقاد عن هذه الظاهرة ب: جمالية القبح غير أن ماقامت به ليلى الركباني في معرضها الذي تم افتتاحه اليوم بفضاء "ألف ورقة " بضاحية المرسى يندرج ضمن تصور مختلف نعبر عنه بالاحتجاج على بشاعة العالم والتشهير بالسلوك العدواني المسلط من طرف الإنسان على الطبيعة .
ماانفك الإنسان يمارس عدوانيته على كل الموجودات حوله كالوحش المكلوب يأتي على الأخضر واليابس دون مراعاة لأي اعتبار  .
الإنسان الذي يدمر الإنسان .
الإنسان يمارس عدوانيته على ذاته .
لقد أوصلت منتجات الحداثة الإنسان إلى نهايته .
يكفي أن تنظر إلى المشاهد الطبيعية لتلمس الآثار العدوانية التي سلطها الإنسان على أمنا الأرض .
يكفي أن تتجول على شاطئ أو بين الحقول لتلمس عدوانية الإنسان على الموجودات حيث التلوث الذي غطى صفاء الطبيعة وجمال الموجودات.

المعرض الصرخة

تفاعلا مع كل هذا واحتجاجا على هذا كان معرض ليلى الركباني التي عمدت إلى  جمع الفضلات والمهملات ومايلقى هنا وهناك اعتداء على الطبيعة وشكلت منه شجيرات وباقات ورد وأشياء حاكت فيها الطبيعة حتى تتساءل بينك وبين نفسك :
ماذا لو كانت أزهار الطبيعة ونوارها واعشابها من المادة التي قدت منها ليلى الركباني أشياءها؟
ولم لا يمكن أن تكون في يوم ما من تلك المادة؟
وهل يحق لي ان أعجب بما أشاهد؟  ام أسخط كل السخط عليه؟ 
أسئلة تراودك وتنتابك لا تعرف منها خلاصا حتى وإن تخلصت من المعروضات الماثلة أمامك
هل إن دور الفن تجميل الواقع ام إبراز بشاعته؟ 
هل الفنان حامل رسالة تغيير؟  ام مجرد عاكس لهواجس وأحاسيس؟ 

تدخل معرض ليلى الركباني وكأنك في مدينة الضباب أو في مختبر من مختبرات افلام الخيال العلمي إذ عمدت إلى إشاعة دخان اصطناعي يجعل فضاء العرض لا ترى فيه الأجسام إلا عن قرب ووزعت اعمالها على عارضات واحاطت كل عمل بإطار بلاستيكي مكعب يمنعك من لمس العمل والاكتفاء بمشاهدته والتأمل في جزئياته ومكوناته.
كل ذلك يجعل من العمل مستقلا بذاته حتى يشعرك ذلك بالاختناق وربما ذلك هو قصدها.
الفن المعاصر بحكم طبيعته التي لا تنشد الديمومة والخلود فإن مواضيعه آنية  راهنة تحمل موقفا انفعايا بالضرورة يزول بزوال أسبابه. وبذلك تكون الفنانة قد عبرت عما يخالجها وسجلت موقفا احتجاجيا باستعمال إحدى وظائف الفن وبعض تقنياته وبذلك لم يعد الفن مطلوبا لذاته بل يطلب للاحتجاج به
لقد احتجت ليلى الركباني على بشاعة العالم وأكدت انتهاء إنسانية الإنسان وفراغه
معرض لن  تخرج منه مرتاحا بل مهتما بمصيرك باحثا عما تبقى فيك من بعض إنسانية متوهمة
معرض يستحق الزيارة فشكرا لليلى الركباني
محمد المي

تعليقات