كما الذئب في الخمسين

"كما الذئب في الخمسين "
مجموعة شعرية للسيد بوفايد

كما الذئب في الخمسين "مجموعة شعرية للسيد بوفايد" صدرت في ديسمبر 2017 عن مطبعة فن الطباعة بتونس وعلى نفقة صاحبها.
وتعد هذه المجموعة الشعرية الخامسة بالنسبة للسيد بوفايد الذي أصدر قبلها :
- ثمّة شيء غامض 2005
- احتشاد الأسئلة 2007
- رياح الشتات 2009
- يهطل على ضفائرها البهاء 2015
والمجموعة الشعرية التي بين أيدينا حجمها متوسّط وتمثّل صورة غلافها لوحة للرسام سلفادور دالي وهي عبارة عن صورة ذئب ملتصقة بصورة انسان ممّا يجعلنا نسلّم منذ البداية بأنّ تِيمة الذئب بما فيها من دلالات ورموز هي محور الكتاب و إحدى مكوّنات الخيال الشعري عند السّيد بوفايد.

المضمون :

تحتوي هذه المجموعة الشعريّة  "كما الذئب في الخمسين" على 18 قصيدة متفاوتة الحجم وهي على التّوالي : اللّؤلؤة - لا أحد يليق بها - هنّ السود الجميلات - حضور يتسلّق الذاكرة - حوار عاطفي - المرأة الغامضة - شذرات - تخاريف المرضى - دعاء - مشهد الريح - كان يمكن أن ينجو - لا شيء يمنعني - غموض - نام حبيبي وحيدا - أكتب إليها - لا يعجبني - الموت المشتهى - الشجرة.

ولعلّ أبرز التيمات التي يتناولها الشاعر السيد في مجموعته هذه هي المرأة - الشجرة - الريح - المرض والموت.
ويُصرّ الشاعر على تأريخ قصائده اثر كتابتها بين سنة 2016 سنة 2017. وقد بدأ بإهداء قصائده إلى أبنائه أنس، مالك وأسماء إلى سهير التي قد تكون زوجته وأخيرا أباه. ثمّ يصدّر المجموعة لقصيد للشّاعر بسّام حجازي " اغبطك نعمة  الحجر
           
      نعمة الصمت أيّها المكان
                 سوف تحيا من بعدي"

وربّما كان ذلك لما للمكان من قيمة لدى الشاعر السيد إذ هو بصمته وعمقه يحيا أكثر من البشر.

قاموس الشاعر :

إنّ اللغة التي يكتب بها السيد بوفايد هي لغة سهلة وواضحة إذ لا يجد القارئ نفسه مجبرا على البحث عن معنى كلمة ما في القواميس أثناء قراءته للمجموعة. وإنّنا لا نكاد نجد استعارات أو صورا صعبة التّحليل. فالسّيد يعمد إلى الكتابة السّهلة البسيطة ولا يُريد الإيغال في رمزيّة مبهمة ومعقده كما يفعل بعض أبناء جيله من الذين يُركّبون جملا بمفردات غير متجانسة ليصبح المعنى غامضا، ظنّا منهم أنّ ذلك شعر. وقد تصبح الجملة لا معنى لها اطلاقا على غرار ما يفعله الدادائيون .

وإذ سُئل أحدهم عمّا يقصده أجاب إجابة غامضة. غير أنّ السّيد بوفايد يُسمّي الأشياء بمسمّياتها فيستعمل لغة سهلة لينقل بواسطتها حالته الشعرية للقارئ وينقل ذلك بعفوية وصدق وأمانة حتّى وإن كان ذلك أمرا شخصيّا أو مخجلا أحيانا.

ومثل ذلك قوله في قصيد مشهد الريح إذ يقول وهو مشدوه أمام امرأة الصدفة التّي ترفع الريح ثيابها : "مرّت ريح خفيفة
فانزاح الثوب عن ساقها
قليلا  ( ...)
ماذا لو رفعت الريح الثوب
أعلــــى
وأعــــلى "

وأمّا الجمل الشعرية للسيد بوفايد فهي في جلّها جمل فعلية. وأن أغلب قصائده سردية المبنى مما يجعلنا نُقرّ بأنّها نثريّة إذ تحتوي جل القصائد على البنية السردية الثلاثية الأبعاد (بداية - وسط - نهاية) ونذكر على سبيل المثال قصيدة "كان يمكن أن ينجو ص 59 :
        أربكته من الوهلة الأولى
       غير أنّه أسرع الخطى

  سيّارة مسرعة احتضنته فطارت روحه إلى السّماء
ولعلّ ما يجلب انتباه القارئ لهذه المجموعة هو نزوع الشاعر السيد بوفايد إلى كتابة سردية في جلّ قصائده التي جاءت في أغلبها كأنّها قصص قصيرة جدّا (هذا نمط كتابة ظهر أخيرا وله روّاده). اذ تكون القصيدة شبيهة بنص سردي قصير. وفي هذا المجال تقرأ ص 54 قصيد بعنوان "مشهد الريح" حيث يعرض البيت الأول على القارئ وضعية البداية

"مرّت ريح خفيفة
فانزاح الثوب عن ساقها قليلا"
ثم تتوالى الأحداث جاعلة نفسها سياق التحول لتفضي إلى وضع نهائي تتلاشى فيه المرأة كما الريح.

وخلاصة القول إنّ الشاعر السيد بوفايد يكتب شعرا سهلا ليكون في متناول القارئ العادي. وهو بذلك يتحرر من نمط المعقّد والذي يُوغل في الترميز بدعوى التجديد والتجاوز والبحث عن القصيدة التّي لم تُكتب بعد.
ولكنّه بذلك يسقط في السرد أو يمزج "شعره" بالنثر إلى درجة أن يقع قارئه في حيرة أمام نصّه الذي يخلو في بعض الأحيان من سِمات الشعر ووظائفه الستة التي حدّدها "جون كوهين في كتابه "بنية النص ألشعري
إنّ كلمة "شعر" كانت تعني القصيد الذي يتميّز باستعمال البيت الشعري حين كان الشعر كلاما مُقفّى وموزونا "كما عرّفه ابن رشيق القيرواني في كتابه ألعمدة
ولكن الكلمة أخذت اليوم معنى أكثر اتساعا لتصبح دالة على الانطباع الاستتيقي الخاص الذي تتجه القصيدة (جون كوهين) .

وبُناء على قول الناقد المذكور يمكننا اعتبار جل قصائد السيد بوفايد قصائد نثرية لأنها لا تعتمد البيت الشعري الموزون حسب أبحر وقوافي محددة وإنّما هي تُبنى على الانطباع الفني والجمالي الذي تتركه في نفس قارئها.
وأصدق مثال على ذلك قول الشاعر في قصيد  تخاريف المرض ص 45 :

يقول ولدي
ماذا ستترك يا أبي
حين يأخذك الغياب
إلى الغياب...
ســاترك
اسما شامخا تتباهى به
وما ورثته عن أبي (...)

يقول بول فاليري  فيCommentaires de Charme""
"القصيد هو نوع من الماكينة لآنتاج الحالة الشعرية بواسطة كلمات".
إن ديوان السيد بوفايد "كما الذئب في الخمسين" يتطلب قارئا عارفا بالشعر وبالنثر وبالحد الفاصل بين هذين الجنسين من الكتابة.

عبـد الــرّزاق الــجـــملــي
         26-12-2017

تعليقات