علامات 17 افريل 2018 بقلم رياض المرزوقي
***
( العلامات روح الطريق )
86 - الشيخ محمّد
" لا تطلب القوم إن القوم قد رحلوا
بقيت وحدك في الصحراء يا رجلُ "
على الرغم من تعلّقي الكبير بالعاصمة , وخاصة مدينتها , وقد ولدت فيها , ونشأت ,
وأمضيت السنوات الطويلة , فلقد نأيت عنها شيئا فشيئا , حتى أكاد اليوم لا أزورها ,
ولذلك أسباب منها , رحيل شخص كان من أقرب الأقارب إليّ . وكانت جولة الأحد
في شوارع تونس معه من الطقوس التي أحرص عليها أشد الحرص .
كان خالي ( محمود الياس ) أصغر إخوة الوالدة - رحمها الله ! - وأقربهم إليّ ,
فلا تفصل بيننا إلا سنوات قليلة .
ويطول الحديث عن رجل علّمني في صغري الكثير , وجعلني أغرم بمصر وأهلها
وكان قد تلقى دراسته في جامعة ( عين شمس ) بعد أن كان زيتونيا , وكنت أذكّره
بجذوره الزيتونية فأسمّيه ( الشيخ محمّد ) مداعبا .
وكان زميلي في الجامعة , حين تقرر دمج عدد من طلبة الشعبة أ في إجازة العربية ,
وزميلي في التدريس بالمعهد الفني بتونس , وتلميذي في شهادة الكفاءة للبحث .
كنت أعتبره أخا أكثر من خال !
ودامت صداقتنا سنوات , يمرّ بي كل أحد قادما من منزل عائلة أمي بزنقة
كاترينة ( نهج عاشور ) , فنشقّ الأسواق إلى باب البحر ,
ونجلس في بعض المقاهي للحديث حول الأدب والتعليم والسياسة ...
كانت هذه الجولة أساسية بالنسبة إليّ , قبل أن ينتقل إلى مدارس داخلية ,
مدرّسا ومديرا إلى وفاته رحمه الله .
أذكره هنا للمرّة الأولى , فما كنت قادرا على إحياء ذكريات الزمن الجميل قبل
السنوات الأخيرة التي أرسيت فيها بعد أن كنت أشبه بمركب تتلاعب به الأمواج ,
والأنواء .
والحق أنه كان سميري الوحيد تقريبا , فقد كنت أشاطره كل أفكاري , ومنازعي ,
ولا أخشى الانفعال أمامه , وأنا كثير العصبية , وهو نموذج الهدوء , وأنا غاضب
على كل شيء , وهو نموذج الرضى .
كان الانسان الوحيد تقريبا العالم بتفاصيل عالمي الداخلي , ونقاط ضعفي التي أحرص على إخفائها تحت قناع التظاهر .
توفي رحمه الله ! فانقطعت الصلة او كادت بالعاصمة , وانتهت الجولةالأسبوعية ,
والوقوف على أكشاك الجرائد , وأمام واجهات المكتبات .
وأوغلت في صحراء لا يرى فيها المسافر إلا السراب .
تعليقات
إرسال تعليق