وسائل إثارة الضحك

وسائل إثارة الضحك في المسرح


بقلم : حسن الزمرلي

مما لا ريب فيه إقبال الناس على الروايات المضحكة  أشد من إقبالهم على غيرها من الأنواع المسرحية. والسبب في ذلك أنهم يعتبرون المسرح بحق من أدوات التسلية.  وأن التمثيل  المضحك يتطلب أقل تفكير لفهمه من المسرحيات التي تدور عقدتها حول مشكلة اجتماعية أو نظرية فلسفية،  وأن الأغلبية الساحقة من المتفرجين يفضلون الروايات الفكاهية التي تريح بالهم قليلا من هموم الحياة اليومية.

والرواية الفكاهية تتفاوت في رقتها ومعانيها وكيفية تقديمها بتفاوت رقة مؤلفها وباعتبار الجمهور المعدة له ، لأنه من المتفق عليه أيضا أن الحركات والكلمات والمواقف والشخصيات التي من شأنها أن تثير ضحك صغير السن أو صغير العقل ليست هي التي يجب استماعها لتسلية ذوي الأفكار النيرة والثقافة العليا.

وقد سعى الاختصاصيون من زمن طويل في ترتيب الوسائل المختلفة التي يجنح إليها المؤلفون المسرحيون لإثارة الضحك في متفرجيهم ونتيجة هذه المساعي أفضت إلى تقسيم وسائل الاضحاك إلى أربعة أنواع :
 الإشارة
الكلام
الموقف
الشخصية
وهذه الصور المختلفة  من حيث نشأتها تختلف أيضا من حيث قيمتها المسرحية،  ومن حيث جمالها الفني، ومن حيث رقتها الفكرية
وقد جمع المؤلف الروائي المضحك الكبير "موليار " بين هذه الأنواع في موقف واحد من مواقف روايته الشهيرة المعروفة في أوساطنا التونسية بواسطة التراجم التونسية والمصرية وهي رواية " البخيل "
ففي بداية الفصل الثالث من الرواية يجمع البخيل "هرباقون " وابنته "اليز " وابنه "كاليانت " ووكيل  داره "قالار " ليمدهم بالارشادات اللازمة لإعداد الوليمة التي يستعد لتقديمها اكراما لخطيبته "ماريان " ومن أول الموقف نشاهد عدة أمثلة دقيقة لنوع " المضحك بالإشارة ".

فهذا هرباقون يبين "للمارلوش " و " براندا قوان " كيف يجب عليهما أن  يصنعا ليخفيا عن الزائرين بحركاتهما وكيفية وقوفهما أوساخ ملابسهما أو  عيوبها الأخرى.

وهذا " ماترجاك " ينزع ويلبس ويغير ثيابه ليتقمص تارة في شخص العربجي وأخرى في شخص الطباخ لأنه قائم بالوظيفتين في خدمة سيده البخيل.

ثم ترى في آخر الموقف هرباقون يتمالك بتعب شديد عند استماعه لماتر جاك وهو يعيد على مسامعه مايقوله فيه أجواره منتشر وترى غضبه ينفجر دفعة واحدة فيحمل على خادمه الوفي ضربا بالعصا جزاء على صراحته .
وهذه الإشارات المختلفة تثير من دون شك ضحك المتفرجين.

والنوع الثاني وهو " المضحك بالكلام " يظهر أيضا  في نفس الموقف في صور مختلفة في أصلها وفي نتائجها منها إعادة هرباقون  لكلمة " المال _المال _دائما المال _المال دائما وأبدا "
كأنه يلوك لقمة صعب عليه ابتلاعها.  ثم الاشتباه في الألفاظ بما يغير مواضع الكلمات في المثل الذي يقوله له قالار "يجب على الإنسان أن يأكل ليعيش لا ان يعيش ليأكل " فيقول هو بدوره "على الإنسان أن يعيش ليأكل لا ان يأكل ليعيش " وهو قول مناقض للمبادئ التي هو متمسك بها.

والنوع الثالث وهو  " المضحك بالموقف " ثلاثة موارد يتضح بها للمتفرج بصفة جلية

اولا : موقف  هرباقون البخيل  بين بخله الشديد ورغبته في أن يقدم  للفتاة التي يحبها مأدبة مناسبة أن لم تكن فاخرة.

ثانيا : موقف قالار الذي فرض على نفسه تناسي حقيقته وأصله الشريف ليتقمص في شخص وكيل هرباقون ويمدحه عن أعمال وأفكار هو في الحقيقة يستنكرها ويمقتها.

ثالثا : ماترجاك الذي  وجد بسبب تفكيره، بين عاملين متناقضين : من جهة واجبه القاضي عليه بمهاجرة سيده بحقيقة مايقال فيه وتخوفه من جهة أخرى من عقاب لا مناص له منه إذا ما أثار ذلك التصريح غضب سيده وهو ما يقع فعلا وماتلذ مشاهدته للمتفرج عندما يرى السيد يشبع خادمه ضربا مؤلما. 

وأما النوع الرابع والأخير وهو " المضحك بالشخصية " فهو لا يخفى على البيان طيلة الموقف أيضا فكل حركة من حركات هرباقون،  وكل كلمة من كلامه،  وأن كانت تلك الحركات وتلك الكلمات مضحكة في ذاتها تكشف عن حقيقة بطلنا وعن بخله المتناهي وهذا البخل يضحك المتفرج بكل كلمة يفوه  بها أحد أشخاص الرواية،  لشدته وتناقضه مع ثروة البخل الطائلة لأن كل كلمة هي نتيجة ذلك البخل  الطبيعية.

تعليقات