الوليّ الصّالح

الوليّ الصّالح
 
 
 
 
لم يرث شيئا ،حتّى البيت الذّي يقطنه و أمُّه كان حِبْسا وَقفا لأحد الأولياء الصّالحين بقريته المعزولة . لم يرث أورثوه إسما "وِلدْ الهجّالة " فقط هذا كلّ ما ورثه بعد أن مات والده "التّوكابري " في حادثة مشبوهة في ضيعة أحد الأكابر فساقوه مباشرة إلى القبر دون تحقيق .
لاشغل للهادي و الأشغال كلّها تناسبه حفر القبور، ترغية السّطوح بالجير العربي، جلب الحطب من الغابة، بيع خبز الطّابونة، بيع صندوق سردينة بالتّقسيط المريح، دلاّل بالصّوت العالي، معاون بالأجرة في الأفراح والأتراح، حارسٌ للمنارهْ ......ليست هناك دار إلاّ وهو خادمها .لايفوح خبر إلاّ و يكون الهادي أوّل من سمع به هكذا هي أعماله لا تنتهي مترسّم فيها دون شهادة، فلاّح في كلّ شيءٍ، يعرف الأرض و ما تنبت ...يومها أصبح وأصبح الملك للّه يَهذي بكلام يسرّ به على نفسه وهو في طريقه إلى "مقهى الرّحبة"
_ابن العاهرة هدّدني بالقتل سأعرف كيف أقتصّ منه يحسبها سهلة الحياة . و الآخر.. الآخر ..أراد أن يسرق منّي رجولتي و يرمي بي في بئر النّميمة أحدّثه عن بنت فلان آه ماذا قلت:
لا فائدة اتركهم للأقدار ستعبث بهم هي الكفيلة بهم .أمّاأنت .. أنا قدري أختاره وحدي من يسألني بلغت الأربعين و لا أنتظر نبوءة طبعا طبعا أنت وحدك يا هادي تختار قدرك انظر أنت تبيت أينما تشاء لا تسألك زوجة و لا يتعهدكَ والي أنت تعرف نفسك بنفسك، اُنظر أنت تسكر كلّ ليلة و تقدّ شأنك بدراهمك المعدودة الآتية من أقدارهم كلّما آستدعوك .ان شاء اللّه ينوب ربّي بقدرٍ أخضر هذا الصّباح .
 
 
كان القبو في الرّحبة عبارة عن ثلاثة أمتار في اثنين يتوسّطه مدرج حديديّ لا يسع إلاّ لواحد عند الصّعود أو واحد عند النّزول من السدّة .أين كان الهادي بعض الأحيان يكتريه صاحبُ المقهى للحراسة فيبيت فيبقى يتشمّم بخارَه و كلَّ عفونَته و كلَّ روائح التّبغ و ما شابه كانت بالنسبة إليه أفيونا آخر يفقد به وعيه الهامي يسبح في ملكوته الابيض حتّى الصّباح.
_أهلا بَلْهاَ ويْنكَ البارحة سألتُ عنك الجماعةَ فقالوا لابدّ أنّه كعادته بين القبور الرّخاميّة الملساء للسّادة الموتى و قواريره الخضراء : انسَ يا أخي انسَ كلّ المييتين مالك والموت؟
لم يعر الهادئ صاحب المقهى المسلول من القبر كخوّافة عصافير أيّ آهتمام إذ كان يتابع في تؤدهْ مع فيروز
" سلّمْلي عليهْ بوّسلي عِينيهْ " صدرت منه تنهيدة شقّت باب العرش " آهْ يا معلِّمْ ما يَحِسْ بالجمرهْ كان إلّي يعفِسْ عِلِيها "
_إِنْتَ تحسّ بالجمرة أيضا انتهت الدّنيا أصبحت حسّاسا لمَ لا؟
و أغدق عليهِ بسُباب أجوفٍ فغرق الهادي في الضّحك وآلتفت إلى القهواجي
_ باللّه وحدهْ express متاع واحد مَضيّعْ عُمْرُهْ
_ اللّه يبارك يا "هَــــا" حُكْمْ السّلاطين طاعَهْ
_ لا طاعهْ و لاشيءْ حُكم السّلاطين شروةْ و بَيعهْ حُكم السّلاطين عاهةْ.
_ إذا اعطاك العاطي ...أظنّك تعرف ؟
_ آيِهْ أعرف .من لا يعرف ؟ كلّنا يعرف و كلّنا لايعرف . الأمور واضحة زَيِّ الشّمس ...
_ بجاهْ اللّهْ يا حُبّي اسمعني
_ آهْ ثمّهْ fax أعرفك كالهدهدِ تأتي بالأخبار من قعر سبأ من توُرا بورا من سكِيكْدهْ ...مِ اللّوّاحاتْ .
 
 
_و اللّهِ ...و اللّهِ ...
_آهْ خلِّ اللّهَ بعيدا و هاتْ الصّحيحْ
_قالوا لو كان الهاَ وِلْدْ الهجّالَهْ يستطيع أن يكون مثل الرّجال لتزوّج. غير أنّ الزّمن صعبٌ فلا ترضى بهِ أيّا كانتْ ؟
قتلتهُ الكلمة سلخته من جلدته أصبح عاريا كآدم لم يجد ورقة التّوت بحث عنها في كلّ مكان في ألوان اللّوحات بالمقهى في السّماء الملوّنة بسحابات بيضاء كقطط أروبيّة بحث عنها في مخيّلته التّي عميت لم يجدها كانت الexpressفعلا كمن ضيّع عُمرَهْ . كان لحظتها بين آختلاجاته إذ ترحل به تتناوب عليه صورة بنتِ فلان و بنت فلتان و بنت فلانهْ إذْ يهمن به يهرب إلى الأمام و لايدلي دلوهُ . خائفا من عار الواقعة يعرف أمّها و يعرف إخوتها و يعرف كامل عرشِها فكيف له أن يلمس حياءها أو أن يخدش صوتها الصّافي . ما بك ؟ مابك؟ ألست رجلا ...
رغما عنه كان يتظاهر بعدم المعرفة يومئ و لا يكمّل تتفجّر منه لغة الأوائل إذ تتراءى أمّه سالمة في الأثناء أوصيك بشيءٍ واحدٍ : لاتجعلني ضُحكى أمام النّاس . افعل ما يبدو لك و لا تعتدِ على أيّة واحدة منهنّ . وِليدي آني مِيمْتِكْ
كان الجميع يعلمون بسيرته في تلك الدّار فتروي الواحدة للأخرى . و الّله إنسان متخلّق و لكن تظهر عليهِ أمارات الجنون أو قل البهللة
_يا وِليدي اُدخل إلى  الدّار أنت مثل ابني , أين سالمهْ لا بأسَ عليها ....
يبدو أنّ النّساء كعادتهن يستدرجنه بالسّؤال متى..؟ و كيف..؟ وبمن..؟وهو يجيب بشيءٍ من الجنون دائما إلى أن أبلُغَ مازلت صغيرا ..
 
 
 
كان يشتهيهنّ جميعا .التّي فازت عليه في الدّراسة ذات الظّفيرتين أيّام الصّبا و التّي حمل لأمّها الماء من بئر الوليّ الصّالح ذات قيظ ، ذات القدّ الوارف من جنّات عدن و التّي..
و التّي..و التّي أدخلته إلى السّقيفة ذات مطر غزير :" اُدخل المطر ..اِبق هنا إلى حين تكفّ .. أنت منّا و إلينا مالك كالغريب .." كان ينظر إليهنّ كفاكهة ممنوعة كتفّاحات  الخطيئة لا يستطيع تذوّقها
أزعجته الرّؤيا أزعجه النّادل : "اِيـــهْ الخلاصْ "
الخلاص كان الفرار إلى أقرب طريق تؤدّي إلى الشّمال هكذا الطّرق عندما تتشابك في الغيبوبة لا تتّجه إلاّ إلى الشّمال كبوصلة القدامى لا تنبئُ الأعمى إلاّ بالإخضرار إلاّ بالضّوءِ.
الهادي بات ما أصبح
من شرفة في أعالي غرناطة كان يسرد مواويله :
نفسي عزيزة و ما تِطيق الذلّ و ما تِطِيق شُربْ الماءْ في شُقوفْ خايِبْ . و ما تِشوفْ لي تحت الحِيطْ الواطي ظِلْ
ضوّي ما يُفْطِنْ بِهْ كان بعيدْ بصرْ ثاقِبْ
تِعَدّيدْ قدّامْ ديارْكم و ِدخَلْتْ
و كنت طِيفْ عاقبْ .
كان يمتدحُ الغياب لآمرأةٍ غجريّةٍ كان قد آلتقطها من شطِّ بوجعفر ذات قيظٍ  كقطّة بيضاء كانت تماما كغيمة أورثته فراديسها و أسكنته الجنّة و أنجبت له نوّارتين لِأمّكْ سالمهْ حين سألها صاحب المقهى المغرور
_ آهْ آشْ عامِلْ هاكْ الهاملْ
_ جاب جوز صغار تواما
_ اِعْجَبْ .. سلّملي اِعْليهْ بَرْشا بَرْشا
 
 
عندما كان يبوس الجبين البارد و الكفن المسجّى على كنبة الموت كان بيت الوليّ الصالح يملأ و يُفرّغ بالخلق يتهامسون سرّا و جهرا : أهذا هو الهادي ...؟
بات ليلته يكنّس ساحات القرية و يتعقّب أطيافه بين آلتواءاتها الفينيقيّة . عندما أصبح و أصبح الملك للّه ............
طار إلى غرناطهْ .   

تعليقات