الإشارة في الرواية المضحكة

الإشارة في الرواية المضحكة

بقلم : حسن الزمرلي

نظرنا في الوسائل التي يستعملها المؤلفون الروائيون لإثارة الضحك في المتفرجين ورأينا انها تنحصر في أربع وهي الإشارة والكلام والموقف والشخصية وقلنا إن هذه الوسائل تتفاوت في قيمتها التمثيلية والفنية والأخلاقية.  ونسعى الان في بيان هذا التقارب ونبتدئ في هذا الغرض بالإشارة.

من المتفق عليه أن الطريقة التي تحظى بأكثر وقع في التمثيل هي اضحاك الناس بالإشارة لأن الإشارة هي أول شرط رئيسي في التمثيل ولأن التمثيل ليس هو إلا عمل "تقليد" لحادثة واقعية أو خيالية يقوم بها أناس مقتدرون بمحضر المتفرجين. وبما أنه لا يمكن تصور ولا تصوير حادثة بدون حركات،  فالحركة وبالتبعية الإشارة هي الأساس لكل عمل في التمثيل وأكثر مايطلب من الفن التمثيلي هو إتقان الحركات والإشارات.

وسواء يقع تطبيق هذا الفن في أبسط أشكاله، مثل الحركات المجردة عند الكلام او السينما الصامتة أو يضاف إلى تلك الحركات وتلك الإشارات كل ما عذب ورق وراق من الكلام ، أو مواقف مشتبكة أو تحليل انفعالات نفسانية معقدة تعسر مشاهدتها على غير ألواح الركح فهي على كل حال لازمة متحتمة لاستكمال مايسمى بالفن المسرحي.

نقول ذلك لأنه لا يمكن الاستغناء عن الحركة والإشارة بينما نستطيع الاستغناء عن العناصر الأخرى التي يسهل تقديمها بغير واسطة التمثيل،  مثل الحوادث المخطرة أو الانفعالات النفسانية التي تثير الضحك بمجرد مطالعتها.

أفلا نضحك عند مطالعة الكثير من مقامات الحريري وبديع الزمان ؟
ألا تضحكنا إلى القهقهة مطالعة بعض كتب الجاحظ وغيرها من كتب أدبنا العربي؟ 

ولكن يجب ان لا ننسى أن المؤلف المسرحي يخاطب في الوقت الواحد جمهورا من الناس يختلفون  ثقافة وأذواقا وطبعا.  فهو لا يستطيع الفات أنظارهم إلا بالوسائل التي تلفت حتما أنظار الجماعات. والوسيلة الرئيسية لهذا الغرض هي الحركة، هي الإشارة.

أجل إن إدخال غيرها من الوسائل مما يزيد القطعة المسرحية قيمة ولكنه أيضا مما يحدد عدد المتفرجين القادرين على فهمها.

فالحركة والإشارة قيمة عالمية وإذا استثنينا لغة الكلام التي تتغير بتغير البلدان فإنا نرى وسائل الضحك الصامتة مفهومة في جميع الأوساط. 

ومن يتذكر التمثيل السينمائي الصامت يعلم أن هناك شرائط وردت علينا من جميع أنحاء العالم وأثارت في أوساطنا الضحك كما أثارته في البلاد التي مثلت فيها بدون أن يدخل عليها أي تغيير.

ومن حضروا الألاعيب السركوية يعرفون أن "الكلون " المقتدر يتقدم على نفس الصورة أمام جمهور باريس ونيويورك وبومباي والقاهرة وتونس ويضحك متفرجيه بنفس الطريقة.

تعليقات