حظ الكلام في التمثيل المضحك




بقلم : حسن الزمرلي


قلنا في فصل سابق ان السبب الأصلي للضحك هو مشاهدة خلل في التوازن المعهود بين
 الأشياء بواسطة أمثلة بسيطة بيننا في كلامنا عن الاشارة وأهميتها في التمثيل كيف يستغل الممثلون ذلك الخلل لاثارة الضحك في متفرجيهم .
وخلل التوازن نشاهده بين الأشياء المادية موجود بكثرة في الأفكار وفي الكلام الذي هو وسيلة تأديتها 
 
والكلام بصفته هذه يتفاوت في رقته ويختلف في معانيه بحسب تفاوت رقة قائله واختلافها . وهكذا كلما ابتعدت فكرة المؤلف عن المعاني العامية المبتذلة وأخذت تتناول المواضيع الراقية التي لا يدركها الا ذوو الثقافة المتينة والاحساس الرقيق يقل عدد الفاهمين لتلك الفكرة ولوسيلة تأديتها
 
نعم ان هناك نوعا من الكلام تتفق جميع الطبقات على فهمه  وتأويله  وأمثلة ذلك  غير قليلة  .ولكن اذا أخذ المؤلف  يستعمل  في كلامه الوسائل الراقية من تورية ورمز وأغلاط تاريخية مقصودة وتقليد نقدي  أو قلب للكلام فان المتفرج لا يشعر بتسلية يعبر عنها بضحكه الا اذا كان عارفا لموضوع الرمز وفاهما للتورية وقائما بالتاريخ حتى ينتبه الى اغلاطه وملما بالمسائل التي جعلها المؤلف محل تقليده النقدي أو قلبها من جد الى سخرية
 
لقد رأينا في بعض الاستعراضات منظرا اضحكنا الى أن أسال دموعنا .وهو زيارة  عامل احدى مغازات اصلاح السيارات  الى صاحب سيارة معطوبة . ولكن العامل قصد دارا  في الطابق الأول بدل أن يصعد الى الطاق الثاني . وهذا الغلط افضى به الى دخول بيت  رجل  في شدة الحيرة  على زوجته وقد أودعها في بعض المستشفيات لاجراء عملية جراحية خطيرة وعندما رأى صاحب 
 المنزل زائره ظنه اتيا من المستشفى فاقتبله اقتبالا حارا وسأله اقتبالا حارا وساله بتعطش
كيف حالها 
الزائر  بخير وعافية . لقد أفرغناها من كل ما فيها
الزوج يا الاهي 
الزائر  ووضعنا كل ذلك في النفط كي نريحها من كل ما اجتمع فيها من الأوساخ 
الزوج المسكينة 
الزائر ليست مسكينة بالمرة وقد قال العريف انها ستكون  أجمل وأقوى من ذي قبل عندما يعوض مؤخرتها بأخرى ويلبسها بدلة جديدة خضراء
الزوج  يعوض مؤخرتها ؟ يلبسها بدلة خضراء...ولكن بربك ياسيدي (العرق يتصبب من جبينه ) 
الزائر  اني لا أفهم  حيرتك يا سيدي ..هذه حرفتنا ولا خوف عليها ونسيت أن أقول لك ان العريف قرر أيضا تعويض المشعلين 
واذ ذاك فهم الزوج المسكين أن الزائر يخاطبه عن سيارة فاطرده طرد الكلاب 
وحضرنا مرة أخرى استعراضا قدمته فرقة الفنانة المعروفة "اندري تورسي" التي كانت تؤدي في كل سنة زيارة الى عاصمتنا التونسية وفي هذا الاستعراض الموقف الاتي بين عامل حلاق وعريفه 
العريف  بودي أن تبين لي الأسباب التي أوجبت اضرابك عن العمل 
العامل  لا أستانف عملي معك ما لم تجبني لطلبي في تطبيق قانون العمل على قاعدة  أربع ساعات في الأسبوع 
 
فاذا كان المتفرج غير عارف للخلافات التي كانت قائمة في ذلك العصر بين العملة وأصحاب المعامل فيما يخص تطبيق قانون  "الأربعين ساعة" الأسبوعية وباحتجاجات أصحاب دكاكين الحلاقة على صعوبة تطبيق هذا القانون القاسي على صناعتهم فانه لا يفهم قصد المؤلف من هذا "الرمز " وهو انتقاد التدابير التي تريد النقابات تطبيقها عن عمد على جميع الحرف الحرة وغير الحرة
وسمعنا في احدى الروايات العربية ممثلا يخاطب اخر بقوله"لقد خبت في مهمتك ورجعت (بقبقاب)حنين" فضحكنا كثيرا من هذه الجملة لأن الممثل الموجه له هذا الخطاب كان يحمل قبقابا في يده  ولم يفهم عدد كبير من مجالسينا في قاعة المسرح سبب ذلك الضحك وسببه أنهم لا يعرفون المثل المشهور " رجع بخفي حنين
 
هذا فيما يخص التورية والرمز وأما الاغلاط التاريخية المقصودة فانها لا تضحك الا من كان عارفا بتاريخ الرواية . واذا رأينا مثلا عبد الملك بن مروان أو الرشيد أو غيرهما من أبطال التاريخ القديم يخاطب أحد معاصريه بالهاتف أو يمتطي متن الرتل أو السيارة أو الطائرة للقيام بسفر فانا نضحك من هذا الأمر لأننا نعلم علم اليقين أن وسائل المخاطبة والنقل التي يستعملها ذلك الشخص لم توجد في عصره بينما ينتهي الموقف  أمام الجاهل بدون أن يشعر بهذه الغلطة  المقصودة ولا بشيء من شانه يثير منه الضحك
وكثيرا ما رأينا في البلدان التي تتمتع بحرية النقد ممثلين يقلدون حركات عظماء  رجال السياسة أو الأدب أو القضاء او الدين  أما احتراما للواقع وللحقيقة التاريخية واما للتفكه والانتقاد
 
فيظهر من هذه النظرة الخاطفة أن الكلام هو أول عامل لتحديد عدد المتفرجين أولا بسبب استعمال اللغة التي لا تفهم الا في أوساطها وثانيا بسبب المعاني التي لا يدركها الا من لهم ثقافة تؤهلهم الى فهمها
في العنصرين الأخيرين أعني الموقف والشخصية صعوبات  أخرى تزيد الرواية قيمة وصعوبة في الفهم وهو ما سنحاول في الفصل الاتي انشاء الله

تعليقات