رسالة إلى العرائسي المنصف بن الحاج يحيي

رسالة إلى العرائسي المنصف بن الحاج يحي

وهو بيننا وهناك

محمود الماجري

أخي وصديقي رفيق خطوات الشباب الجميل. الدنيا هنا لم تعد على الحال الذي تركت. علت أبواق الضوضاء على غير ما كنت تعرف من هدوء. عصفت رياح جديدة عاتية هذه المرة. انطلقت كل المراكب دون أن نعرف متى وأين ستُرسي.

في خضمّ هذا وذاك، أطمئنك صديقي بأن المركز الوطني لفن العرائس أصبح المؤسسة المرجعية التي حلمت بها وناضلت من أجلها ودفعت كل حياتك لها. هو الآن مفتوح كعادته على شارع الحرية، يكرّس حرية الإبداع والتجديد كما أردته أن يكون. أخي المنصف، حرية التعبير هي أسمى شيء تحقق منذ هبوب تلك الرياح الجديدة.

أعرف أنك ستزداد سعادة حينما تعلم أن فضاء إشعاعه ازداد اتساعا ليكون له مكان مرموق ومكانة رفيعة داخل مدينة الثقافة بالقرب من الفندق الذي كان وقتها يحمل اسم شاعر قيل أنه ماجن. كنّا نُطل من بابه البلوري الكبير ونحلم بمعلم ثقافي نرتاح إليه من صخب المدينة وأزيز عرباتها ثم نعود إلى الداخل لنكوّن حلقة حول لذيذ القهوة. نخوض في كل الشؤون في مأمن من أعين الرقباء؟ البلد الآن صار يعيش على حكايات أخرى، كل يراقب الآخر، كثرت المنابر وظهر شيء غريب يُدعى الفيس بوك أراني عاجزا عن وصفه لك. سأكتب لك عنه مطوّل في رسالتي القادمة. غزا الشيب رؤوس المتبقين من الجماعة لكنهم  ما زالوا يحلمون. أؤكّد لك صديقي أنهم ما زالوا حالمين منذ أيام الشباب.

لم نعد في حاجة إلى النظر عبر الباب البلوري الكبير لنحلم. مدينة الثقافة لو تدري صديقي كم هي شامخة، ازدانت أيضا بعرائسك ضمن موجات رقيقة من الشعر والموسيقى والرقص والمسرح والسينما والفنون التشكيلية. أعرف أنك تحبّ كل تلك الفنون جميعا لكني على يقين راسخ أنك ترفع العرائس إلى أعلى، دوما إلى فوق. ألم تقل يوما إن مسرح خيال الظل هو سينما البسطاء كما أن العرائس هي مستقبل المسرح. لم يكذب حدسك رفيقي. العرائسيون الشبان يحيّونك ويقولون لك سندعو أطفالنا حيث ما كانوا ليستظلوا بخيمة العرائس وفيها. يقولون لك أيضا أنك ستكون بينهم بابتسامتك وكرمك اللامتناهي.

صديقي أراك تتجول في أروقة مدينة الثقافة ومسارحها العصرية تمشي متعجّلا كما أنت. جاكيتتك الخضراء تكاد تطير من على جسدك المكتنز. لكن لا تسرع كثيرا، دعني أقول لك إن ما سعيت إليه منذ أكثر من خمس وعشرين سنة تحقق أخيرا بأمر حكومي مؤرخ في 23 أفريل 2018. صار المركز مركزا، له قانون يحميه. أراك سعيدا بهذا الحدث التاريخي الاستثنائي لفن العرائس في كل أرجاء العالم. سعداء نحن معك ونعرف أهمية ما تحقق.

أسمعُك تُقرؤنا السلام وأرى في عينيك سعادة تتطلع إلى قادم أجمل لعرائس هذا البلد العزيز. أرجوك لا تفتح كل صفحات قاموس الشكر. للبلد رجاله كما كنت تردّد.

لا فائدة صديقي في فرقعة قناني السائل الأصفر الغازي، عوالم العرائس العجائبية تكفي وحدها لنكون معا في دنيا الانتشاء.

تحيات فناني وفنانات المركز الوطني لفن العرائس ممزوجة بابتسامات أطفال الغد الأفضل، تحيات الأصدقاء الصامدين في منعرجات المدينة مع فيض مودتي الذي لا ينضب.

تعليقات