معجم بورديو : تغيرية

تغَيُّريّة                                                     Transposabilité                   

 
تعريب : الدكتورة الزهرة براهيم

    «بوصفه استعدادا عاما وقابلا لتغيير محله، فإن الهابيتوس يحقق تطبيقا نسقيا وكليا، وممتدا إلى حدود ما تم اكتسابه مباشرة. (...) إن ما يجعل من مجموع ممارسات فاعل ما (أو مجموع من الفاعلين الذين هم نتاج ظروف متشابهة) أن تكون، في الوقت ذاته، نسقية بوصفها نتاجا لتطبيق أنظمة مماثلة (أو قابلة للتحول بالتبادل) ومتمايزة منهجيا عن الممارسات المؤسسة لأسلوب آخر من العيش»1 للهابيتوس خاصيتان أساسيتان تحددانه: الديمومة التي تلحق التصور بالزمنية النوعية للاستعدادات، والتغيُّريّة العامة التي هي قيد المناقشة في هذا المقطع الحاسم من كتابه التميز. هذه الخاصية الثابتة ليست أقل ترتيبية   من الأولى، ولكنها تدمغ الأصالة الرئيسة للهابيتوس. بالفعل، يدرك بورديو الهابيتوس كنسق استعدادات، أي كاستعداد عام يثير ويبني تكوين استعدادات نوعية مرتبطة بسياقات خاصة («(...) هابيتوس مختلفة (بصيغة الجمع)، أنساق أنظمة مولِّدة قابلة لأن تكون مطبقة، بتحويل بسيط، إلى ميادين الممارسة الأشد اختلافا (...)».2 ومهما يمكن لقابلية لاعب التنس أن تظهر من خلال عدد لا يحصى ولا يعد من الحركات والضربات المختلفة، وفي ما لا يحصى من وضعيات اللعب المختلفة، إلا أن الهابيتوس يجود بعدد لانهائي من السلوكات النوعية انطلاقا من المواجهة بين تنوع وضعيات الحياة الاجتماعية والعدد القليل للأنظمة العملية التي تشكل النسق الذي ينقله الهابيتوس. غير أنه في نظر الهابيتوس، فإن القدرة على لعب التنس تمثل كذلك، رغم عموميتها، استعدادا نوعيا، وتغيرية خارج حقله الأصلي بحيث إنها جد محددة.3 إن مفهوم الهابيتوس، هو على العكس من ذاك، «ممتد فوق حدود ما هو مكتسب مباشرة»، فبورديو يعتمد هذا الأمر من أجل «تطبيق نسقي وكلي» ويؤهل، حسب رأيه، مجموع ممارسات الفاعل أو جماعة من الفاعلين الخاضعين لنفس التكييفات. وهكذا، فالهابيتوس الخاص بالبورجوازية الصغيرة الصاعدة، كما هو مبنيّ في التميز، يميز كل الاستعدادات النوعية لهذا الجزء من الطبقة، إنه يجعلها تميل إلى التقشف الجمالي والتشدد الأخلاقي، وإلى التصحيح اللساني والامتثال المفرط للأحكام القضائية والسياسية كما إلى استراتيجيات الاستثمار الدراسي، وإلى التراكم الاقتصادي والثقافي.4

      يكمن مبدأ معقولية هذه السلطة الموحِّدة والمولدة للهابيتوس في تحديده كمولد تماثلي «(...) الممارسة التماثلية كتحويل لأنظمة الهابيتوس تجري على قاعدة تكافؤ المكتسبات، و(يسهل استعاضة رد فعل بآخر، و(يسمح) بالتحكم في كل المشاكل من نفس الشكل التي يمكن أن تنجم عن وضعيات جديدة، وذلك بواسطة نوع من التعميم العملي».5

     يسمح الاشتغال التماثلي للهابيتوس، بواسطة التبديل العملي، لعدد قليل من الأنظمة المولِّدة، بتأمين التكيف مع وضعيات يومية متعددة، وذلك بتحقيق تغيير موضع خاصياتِ (جوهرية وعلائقية) موقعٍ اجتماعي إلى أسلوب حياة موحِّد: «يولد الهابتوس، بلا انقطاع، استعارات عملية، أعني، بلغة أخرى، تحولات (...)، أو بتعبير أفضل، تغيير مواضع نسقية مفروضة من طرف شروط خاصة لتنفيذه. فنفس الروح التقشفي ethos ascétique الذي كان من الممكن أن ننتظر تعبيره عن نفسه دائما، وذلك في التوفير الذي يستطيع، في سياق محدد، أن يظهر في كيفية خاصة للتمتع بالقرض. إن ممارسة نفس الفاعل، وبسعة أكبر، ممارسات كل الفاعلين من نفس الطبقة، يجب عليهم التحلي بتناغم الأسلوب الذي يجعل من كل ممارسة استعارة من أية واحدة منها من بين غيرها، بحيث إنها نتاج تحول من حقل إلى آخر لنفس أنظمة الفعل (...)».6 يوجد الأصل المباشر لهذا الإدراك في علم نفس بياجي الذي يشكل بكيفية مضمرة مرجع هذا المقطع من كتاب التميز. لقد عرّف بياجي بالفعل مفهومه لنظام الفعل مثل: «(...) فما هو في فعل ما (...) قابل لتغيير الموضع أو للتمايز من وضعية إلى لاحقتها، بعبارة أخرى، ما هو مشترك بالنسبة إلى كل تكرارات أو تطبيقات نفس الفعل»7، ويرتكز عالم الاجتماع على المفهوم المنسوب إلى بياجي ليعلل التماسك الأسلوبي الذي يلاحظ بين الممارسات وطرق الوجود من نفس الهابيتوس. ويوجد، حسب رأيه، شكل لإسقاط هذه الملامح المشتركة الذي يبرر فرضية استعداد هام ومولد لتفسير تحويلات مجال نشاط أو وجود ما إلى آخر.

   فنفس هذا المقطع من كتاب التميز يستند كذلك إلى مرجع مضمر آخر، لأنه يمتد وهو يعرض الكتابة كـ «مثال مألوف» لسلطة تماثلية (قياسية) للهابيتوس: «(...) الاستعداد الذي نسميه &كتابة&، أي طريقة فريدة لرسم رموز، تنتج دائما نفس الكتابة، أعني التخطيطات الـﮔرافية، التي بالرغم من اختلافات نحتها مادة ولونا، والمرتبطين بالركيزة من ورقة أو سبورة سوداء، أو بالأداة، قلم جاف أو قضيب طباشير، إذن، بالرغم من الاختلافات بين مجموعات المحركات المعبأة، فإنها تمثل مشابهة يمكن إدراكها فوريا بالحواس، على طريقة كل ملامح الأسلوب أو الطريقة التي نعرف بها فنانا أو كاتبا بلا ريب بقدر ما نعرف إنسانا يسير على نهجه».8 إن اختيار الكتابة من أجل إشهار يبين تحويل الأنظمة المجترحة من طرف الهابيتوس هو أمر دال، ذلك بأنه يحيل مباشرة إلى ميرلو بونتي، الذي يستعمله، في تحليل شهير، ليستحضر هنا: «(...) القوة العامة لصياغة نوع ثابت (...)، مقابل المواضع التي يمكن أن تكون ضرورية»9، والتي، حسب رأيه، يكون الجسد الخاص مزودا بها. ومن البديهي أن البناء التصوري المهيأ من طرف بورديو يتأسس على تصور بيوأنثروبولوجي للجسد الذي يدين بالكثير إلى نظرية التخطيط الجسدي أو إلى تحليلات السلطة النوعية للاندماج، بالتكامل والتعميم التماثلي للجسد الخاص الذي نوّه إليه ميرلو بونتي. إلا أن الإشارة النظرية لبورديو تقتضي إعادة استثمار هذا الدافع لصالح مقاربة سوسيولوجية تتجنب فخاخ الذاتية الظاهراتية، ومستغلة إلى أقصى حد المقاربة العقلانية التي تسمح بها الترتيبية غير الجوهرية. فالخطر الذي تتعرض إليه فكرة الاستعداد العام والقابل لتغيير الموضع، هو بالفعل اعتماد الفكرة القائلة بأنه قد يوجد أسلوب عام للوجود في العالم الخاص للفرد أو لطبقة من الأفراد. يجب أن نحترس هنا حتى لا نخطئ على مستوى التحليل: إن ملاءمة الترتيبية تقتضي استعدادا أنثروبولوجيا قبليا للجسد الإنساني لا يعود إلى جعل كيفيات الوجود جوهرية. وحقيقي أنه حين نشرك فكرة إدماج تزامني للاستعدادات بإدماج صيرورتها الثقافية، فإن تصور الهابيتوس قد يبدو بأنه يجعل نفسه عرضة لهذا التأويل. لكن في الواقع، يكون من المناسب التذكير بأن تعريف الهابيتوس يحدد بدقة أن الاستعدادات دائمة لكنها غير قابلة للتغيير، ثم إنها علائقية بشكل أساس: «فلسفة (...) ترتيبية (...) تدوِّن الموجودات بالقوة المسجلة في جسد الفاعلين وفي بنية الوضعيات التي يفعلون داخلها، أو بشكل أدق في علاقتهم».9 في هذه الحالة، فإن هذه التراتيبة الممتدة تترجم بفعل أن تكوين الهابيتوس يتوقف على الموقع الذي يشغلونه داخل الأكوان الاجتماعية (فضاء اجتماعي، حقول) التي أنتجتهم، والتي تسمح لهم بتفعيل أنفسهم. بحيث إنه إذا شكلت استعدادات الهابيتوس نسقا متماسكا، فلأنها تتشكل ويتعهد بعضها بعضا داخل العالم المكون من بنيات ومواقع اجتماعية متماسكة-متسقة. وعلى هذا النحو، يطرح بورديو فرضية أن الهابيتوس يعكس التجانس الشمولي للوضعية الاجتماعية، أي كون فاعل وطبقة فاعلين يشاركون في مجموع حقول متماثلة، والتي تكونها هذه الأخيرة من جانب تقسيمها المتماثل نسقيا، إنه مجموع جزئي للفضاء الاجتماعي حيث أساليب العيش، ثم أخيرا، فإن القيم الخاصة بكل واحد تدمج تلك التي يشغلها كل حقل بنفسه في التراتبية الاجتماعية. إن تغيرية هابيتوس ما تفسَّر إذاً حسب هذا النموذج، بواسطة وجود أنساق المواقع الاجتماعية المتماثلة التي تملك من الثبات ما فيه الكفاية حتى تنتج استعدادات دائمة. فالتماثل بين الممارسات لا يصدر عن حيازة خصائص خفية، واستعدادات جوهرية يتعذر لمسها، بل عن التماسك الشمولي للفضاء العلائقي للممكنات التي تُمنح للهابيتوس بموجب الموقع الذي يشغله داخل الفضاء الاجتماعي، وداخل الحقول التي يرتادها. فالأذواق والممارسات وصيغ وجود الفاعلين تتحدد نسبيا بأذواق وممارسات وصيغ وجود الفاعلين المتحدرين من مواقع أخرى. كل حقل يمنح الفاعلين مجموع خيارات رمزية ممكنة، الخيارات المحتفَظ بها من طرف هابيتوس مرتبط بموقع معطى، يتم توجيهها بالنسبة إلى الخيارات المحتفظ بها من طرف الفاعلين الحاملين للهابيتوس الوثيق الصلة بالمواقع المختلفة. لذاك نلاحظ خاصية شبه علائقية بين الاختيارات المجترحة من طرف الفاعلين الذين يشغلون نفس الموقع داخل حقل معطى، وبين اختيارات نفس الفاعل أو من نفس صنف الفاعلين من حقل لآخر.

   إن فكرة تحويل نسقيّ وكليّ للمواقع العامة التي تكشف، بكيفية علائقية، أصل ومسار الوضعية الاجتماعية للفاعلين الذين ينقلونها، تؤسس، بشكل أكيد، واحدة من بين الافتراضات النظرية الأكثر شجاعة في علم اجتماع بورديو. لقد تم انتقاد الرؤية الاتساقية كثيرا لدى الفاعلين والممارسات، كما هو الأمر بالنسبة إلى مخاطر «التعميم التعسفي أو المبتسر»10، الذي يجعل التحليل السوسيولوجي يتجشمه. وفيما يخص بورديو، فإنه يعتبر الثباتية الأسلوبية التفاضلية لصيغ الوجود أو الفعل ظاهرة تجريبية ينبغي تحليلها بطريقة أخرى، وذلك باللجوء إلى مفاهيم جوهرية وآلية وفاترة كتلك المتعلقة بالخاصية. فنموذج الهابيتوس، كنسق لاستعدادات مستقرة نسبيا، ومنتج لسلوكات ثابتة، يسمح بتجنب هذه العثرة وباحترام المنهجية الوظيفية والعلائقية للعلم الحديث. ينبغي التذكير، بالإضافة إلى ذلك، بالبعد الاصطناعي النظري الذي يكسو بناءً مثل هذا في نظر كاتب &المخطط الإجمالي من أجل نظرية للممارسة&. فـ الصيغة المولِّدة المؤلفة من أجل تفسير مبدأ هابيتوس ما لا تملك ادعاء جوهريا بأنها تدمغ الاكتشاف بقانون يبرر كل الممارسات الواقعية لشخص أو لطبقة من الأشخاص: «الوصف عن طريق البناء الذي يسمح به التحكم في الصيغة المولدة للممارسات، يجب عليه، أن يبقى في حدود أن المنطق يملك كمبدأ، ليس هذه الصيغة، ولكن ما هو معادل عملي لها (...)».11 إنه واحد من بين المنافع الرئيسة لعمل بورديو، فهي قد علمتنا بأن النموذج النظري، حتى يمكنه أن يسمح حقا بإلقاء الضوء على نوع مبني من الظواهر، فينبغي له أن يدمج الممارسة في «لا اختزالية الوجود الاجتماعي للنماذج التي يمكن أن نعطيها له».12

هوامش تَغيُّريَّة:

1-La Distinction. Critique sociale du jugement, coll. « Le sens commun », Éd. e Minuit, Paris, 1979, p. 190.

2- مهما تستطيع الكشف على أن نسق الأنظمة المشغلة في الاستعداد للعب التنس، هي تغيرية بشكل جزئي في ممارسة رياضات أخرى بالمضرب ككرة الطاولة والإسكواش squash، تحديدا.

3- La Distinction. Critique sociale du jugement, Ibid, p. 382.

4-Le Sens pratique, coll. « Le sens commun », Éd. de Minuit, Paris, 1980, p. 158.

5- La Distinction. Critique sociale du jugement,  ibid, p. 192-193.

6-Piaget J., Biologie et connaissance, Neuchâtel, Delachaux et Niestlé, p. 16.

7- La Distinction. Critique sociale du jugement,  ibid, p. 193.

8-Merleau-Ponty M. La prose du monde, Paris, Gallimard, coll. « Tel », p. 108.

9-Raisons pratiques. Sur la théorie de l’action, Éd. du Seuil, Paris, 1994, p. 9.

10-cf- Lahire B., L’homme pluriel. Les ressort de l’action, Paris, Nathan, coll. « Essais & recherches »n, 1998, p.94

*يجب أن نلفت الانتباه هنا إلى وجاهة النصح بتوخي الحذر النظري والدقة المنهجية التي ترافق إعلان هذا التحذير الذي يقدمه برنارد لاهير، وأيضا، بشكل أوسع، منفعة كل عالم اجتماع من النقد العام والمعقلن لاستعمال مفاهيم التغيرية والتعميمية في العلوم الاجتماعية التي تم استخلاص هذه النصيحة منها.( المؤلفان)

11-Le Sens pratique, ibid, p. 438.

12-Choses dites, coll. « Le sens commun », Éd. de Minuit, Paris, 1987, p. 32.

تعليقات