المــــزار

المــــزار
 
تعالى خُذ مكاني على الكنبهْ كنتَ أنتَ الخارجَ عن السّربِ أم كنتَ أنا الدّاخلَ في السّرد سيّانَ عندَ المُنشئِ المهمُّ أن تتواطأ الكلماتُ لَتصنعَ أيقونةَ الحالةَ من بلّورها الشفّافْ. ثمّةَ من يُنصتُ، المجنونُ و المنبوذونَ أصحابُ السّتائرِ الرّماديّةِ المُتّكِئونَ على حِيطانِ الشّوارعِ المنسِيّةِ. أنا الآنَ على طرفي نقيضٍ لستُ معكِ سيّدتي جرائرُك بيّنة للمُريدينَ .
سأتقمّصُ دورَ المريدِ بِجُبّتهِ البيضاءِ إذ يُشعلُ بخورهُ كانتِ الأسماءُ تبيضُّ في وشائجهِ وهوَ يشدُّ في الشُبّاكِ الأخضرِ يطلبُ الوُلوجَ إلى الحلقةِ . الكنبةُ ملآنةٌ بالخلقِ نساءٌ معمِيّاتٌ و أطفالٌ أشباحٌ . المزارُ مدفنٌ على طريقِ الحربِ تعرفونهُ جيّدً ربّما " سيدي فرحاتْ" أو غيرُهُ "سيدي علي الشّايب" مثلاً
لا يهم في طريقكم إلى الشِّمال تلمحونَ دخانهُ الأزرقْ ....
القرابينُ تشفعُ لي أختارُ الخارجَ. الرّؤيةُ من العلياْ أوضَحُ تهبُني المناقيرُ سطوتها لآلتقاطِ أوصافٍ ثملى بخمريّاتِ الجُلاّسِ أحاديثَ وَوساوسَ و تنويعاتٍ شتّى من المدائحَ
و الأذكارِ لا تنتهي إلاّ بِغيبوبةٍ في وادٍ غيرَ ذي زرعٍ . المعنى هنا بينَ القاصِّ و المجنونِ حبلُ وريدٍ مملوءٌ بدمٍ نازفٍ من الأعماقِ ليسَ يدري هل سَيُعينني على الوصولِ إلى نهايةٍ مشفوعةٍ بِنورِ الأنبياءْ أم سيتركني في الخلاءِ مع أشباحِ الموتى أُقاسمهم عذاباتِ الفتحِ
وأغاني القوافلِ صمتْتُ ليلتين كنتُ على الكنبهْ مع أبي ألبِسُ أُجلّي سيرتي للأشياءْ كما لو أنّني اِبنُ عَربي. طفلٌ ليسَ لهُ من الطّفولةِ غيرَ الحجمِ أمّا الأحلامُ فهيَ مرتعي إلى طريقِ الغدِ . ساُقابلُ الأطفالَ قربَ الغديرِ أحكي لهم عن السّهريّةِ الرّائقةِ مع الذّكورِ و الإناثِ
و الأوشامِ المتوزّعةِ على الخدودِ و الشّاشياتِ المحمرّةِ بدم الأدعيةِ و الوجوهِ المقفرةِ من عباراتِ الحبِّ .
سأروي لهم عن الذّئبِ الذّي هاجمني قربَ أبي هكذا في الأحلامِ  رأيتهُ في أحلامِ  اليقضةِ يفتكُ بي و ينهشُ كتفي ثمَّ يرميهِ عظما لِذبابِ القبّةِ
 
صدّقوني لا تُصدّقوا أحدًا . الكذبُ يطلَعُ من جِلدِ الصّدقِ مثلَ حوريّةِ البحرِ تَشُقُّ صدر الموجةِ لِتلتهِبَ رُؤيةُ القارئِ إذْ يُتابعُ تنغَرِسُ فيهِ شَوكَاتٌ أُرجُوانيّةٌ مِن نِظرتها . الكذبُ يَلبِسُ قناعَ الإمامِ . صدّقوني . اللّيلَةَ الأولى تَعلَّقَ بِهِ الأبُ أيّما تعلّقٍ طفِقَ يَخسِفُ مِنْ ورقِ المزارِ مابهِ يتبرّكُ للسيّدِ الدّاخلِ .
اِهترأَ الخارجُ مِنْ كلامي حتَّمتْ رُؤيتي لِأبي أن أتنازعَ مَعَهُ في أرضِ المعركةِ .السّردُ يهزِمُ مُكبّراتِ الصّوتِ و أشِعةَ "إيكسْ". "يالكِ مِن عجوزٍ شَمطاء يا فاتنتي" هكذا نفثَ أبي دُخانهُ الأبيضَ و هوَ يتنفّسُ "اللّهْ حيْ اللّهْ يا اللّــــهْ .....
كانَ يُقابلُ آمرأتَهُ بينَ الفينةِ و الاُخرى يَنحدرُ مِنْ ذِكرياتِ الطّفولةِ إلى سفحِ الشّيخوخةِ بحبٍّ ضائعٍ لا يعرِفُ فيهِ طعمَ الوصالِ . تبدو الحياةُ أمامهُ جحيمًا مُتكرّرا لم يعرفها إلاّ عندما آرتادَ هذا المزار حيثُ آعتمرَ فيهِ فَأحيا فيهِ جُذوةَ الشّهوةِ الأولى التّي عرفها مع الفاتنة .
الدّاخلُ دواخلٌ من نسيجِ العنقاءِ قبرٌ مفتوحٌ أمامَ نقرِ العصافيرِ و حدسِ الحلازينِ إغراءٌ دائمٌ أمامَ المرأةِ المُعزيّةِ يومَ الجُمُعةِ.
تفرّستُ جيّدًا فيهِ رأيتُ نفسي أركبُ صهوةَ مُهرٍ تتجاوزُ كلَّ حدودِ المعنى لِترصُدَ الأعينَ التّي وهبتْ نَظرتها للنساءِ تطلبُ شفاعةَ الأنبياءْ. رَأيتُ أبي يموتُ و يحيا أمّا أُمّي رأيتها تُمسكُ بملاءتها حولي لِكيْ لا رأى أكثر مِمّا أرى . البخورُ أعمانا من شدّةِ الشّطحِ ..........................
تعالَ وَ خذْ مكاني إنّني سلّمتُ أمري للّهْ . المزاراتُ التّي نرتادُها كلَّ ليلةٍ هي قبورٌ تمرُّ بها قوافلُ عميان لم تتفحّص جيّدًا نقوشَ القباب. الأرزاقُ كانتْ تأتي مِنْ فوق و نحنُ الثّلاثةُ نُفرّغُ صحنَ المكرمةِ على بياضِ الكلماتِ .
 
 
حينَ أضحى الختمُ قدرًا لا بدَّ مِنهُ كانَ الجميعُ يحلُّ مراتيجَ الغُرفِ لِيَغرقوا في نومِهمِْ المُعتادِ على أرضيّةَ مَطليّةٍ بالجيرْ.
أفقتُ الأوّلَ على نِداءاتِ الأصدقاءِ وَهُمْ يَرجمونَ البِركةَ بالأحجارِ .قُلتُ لهم : تعالَوْا قاسِموا معي رائحةَ المزار. الخارجُ مثلُ الدّاخلِ ألهابٌ جهنّمِيّةٌ في بٍركةِ ماءِ اللّيلِ .
خُذوا نصيبكُمْ مِنَ الشّيطنةِ و آرحلوا خلفََ أماراتِكُمْ ."
عندما آندهشوا أمامَ براءتي السّحريّةِ حُملتُ على الأعناقِ يصرخونَ :" هذا وليُّنا هذا ولِيّنا ....
اِنتبهتُ و أنا أَستفيقُ مِنْ حُلمي أسقطُ من الكنبهْ  كسائرِ حكاياتِ الأطفالِ  و العُواءُ يملأُ الغرفةَ ....  
الغُرفةُ بِحِنّاءِ التبرُّكِ شَفتني منْ مرضِ الوِسواسِ . أغدقَ أبي الحفيظَ القائم على الطّقسِ دراهمَ معدوداتٍ أمّا أُمّي فَإنّها أسرَّت لهُ بكلماتٍ ميموناتٍ و باست رأسهُ و معها أيقونةً من قطرانِ المقامِ درءًا للشّياطينِ تُشمّمهُ كلَّ ليلةٍ إبنها المصابِ .
رغمَ ذلكَ بقيَ يحلمُ إلى الآنَ ثمَّ يسقطُ من السّريرِ. تعالوْا خذوا مكانهُ على الكنبهْ ............ 
 
                                                                                                منذر العيني 

تعليقات