رسالة إلى السيد وزير الشؤون الثقافية حول ملتقى الرواية

رسالة إلى السيد وزير الشؤون الثقافية
         نقاط سوداء بملتقى تونس للرواية

بقلم : الناصر التومي


استبشر أهل السرد بميلاد ـ بيت تونس للرواية ـ بمدينة الثقافة، ولقد زكينا هذا العمل في تغريدة لنا وثمنا هذا الجهد واستبسال الروائي كمال الرياحي للحصول على هذا الفضاء المختص في السرد الروائي، لكننا سنحاسب هذا المسؤول لو زاغ هذا الفضاء عن رسالته التي من أجلها بعث، وهو الرفع من شأن الرواية التونسية قبل أي شيء آخر، والتعريف بهم، وبأعمالهم.

لكن في أول  تظاهرة بهذا الفضاء الروائي نتفاجأ بأنه لم يتغير أي شيء في المشهد الثقافي، وكأنما هو يرضخ لبرمجة إقصائية معدة من قبل سلطة الإشراف في خصوص تجاهل بعض الروائيين التونسيين، وتلميع صور روائيين دون غيرهم في كل مناسبة والاقتصار عليهم، وقد نددنا بهذا في تغريدة سابقة إثر التظاهرات السابقة التي جرت بمعرض تونس الدولي للكتاب الأخير، وقد تم نشر هذه التغريدة بالصريح أونلاين.

كان من المفروض في أول تظاهرة ببيت تونس للرواية إشعال شموع  الرواد المؤسسين وأعمالهم الإبداعية وخاصة الذين رحلوا عنا  كمحمود المسعدي، والبشير خريف، ومحمد العروسي المطوي، وكذلك محمد المختار جناة صاحب أرجوان الذي تجاوزت كتابته الروائية الرواية النهرية إلى الرواية البحرية، حيث  بلغت مخوطاته الروائية أكثر من سبعة عشر كتابا نشر منها ثلاثة كتب لا غير.
لكن الأمر تعدى بحكم الاقصاءات، إلى أغزر الروائيين بالبلاد  كعبد القادر بالحاج نصر،  ومحمد الهادي بن صالح ، والبشير بن سلامة ، وابراهيم الدرغوثي ـ وعبد الواحد براهم، ورشيدة الشارني وحفيظة قارة بيبان، والناصر التومي، ويوسف عبد العاطي، فهل يجوز حضور عرس الرواية بتونس بإقصاء الروائيين التونسيين الأكثر غزارة، وإحضار من لا يملك إلا رواية واحدة، إن الروائيين عبد القادر بالحاج نصر ومحمد الهادي بن صالح وحدهما تفوق إصداراتهما في الرواية الثلاثين رواية أي يفوق كل الكتاب التونسيين الحاضرين مجتمعين. أليس من الجائز حضور أهم الروائيين في أول تظاهرة بهذا الفضاء قبل حضور روائيين عرب، فحتى كتابنا ومثقفينا لا يعرفونهم حتى بالاسم فما بالك بأعمالهم. ولكنها العادة السرية في مثل هذه المؤتمرات والتظاهرات، استدعيني ونستدعيك، كرمني ونكرمك،ـ إيجاني في عرسي نجيك في طهورك. وهي سلوكيات من لا يريد لهذا الفضاء خيرا بل ليقضي به مآربه الخاصة.
 
حضرت مساء الجمعة حيث قدم عديد الروائيين انطباعات بعضها فلسفية وبعضها إيديولوجية، وبعضها مدعاة للضحك، أفكار مشوشة لا يشدها خيط رابط ، بل هي إلى الإسفاف أقرب، وما لامسنا تقديم إي إفادة بخصوص الأعمال الروائية التونسية أو العربية، ونتساءل هل كل هذه الأموال التي أنفقت في رحلات طيران مكوكية من شمال إفريقيا والجزيرة العربية وأوروبا وإقامة بالنزل الفاخرة لكي يقدم أحدهم سفسطة ضمن توقيت لا يتجاوز سبع دقائق، في غير التزام بموضوع أساسي معين، لا يصلح نشره حتى بالصحف اليومية الهابطة، ويتعذر نشر هذه المداخلات حتى لو كانت مكتوبة في أي مجلة ثقافية تحترم نفسها، فهل أقيمت هذه التظاهرة باستدعاء هذا العدد الكبير من الأدباء العرب فقط لمشاهدة مدينة الثقافة وتدشين بيت تونس للرواية لا غير، أما ما ينفع الحاضرين فنؤجله إلى تظاهرات لاحقة. إن ما شاهدته في عشية يوم الجمعة من إسفاف ثقافي لم أشاهده حتى في تظاهرات ثقافية محلية حيث تقدم المداخلات القيمة بكل حرفية.
 
لعل البعض من سلطة الإشراف يخالون أن لهم الفضل في بروز الأدباء، أبدا نحن نحفر في الصخر لنخرج بين الحين والآخر كتابا في أي جنس من الأجناس الأدبية، وهي معاناة  تواكب حياتنا ما دام فينا نفس، وما وزارة الثقافة إلا حاضنة ومشجعة لنا لا غير في المساهمة في الإشعاع الثقافي داخل البلاد وخارجها وهذه من مهامها الأساسية وليست منة منها.
 
سبق أن صرحنا أن  الروائي كمال الرياحي من حقه في برامجه التلفزية أن لا يتعامل إلا مع الكتاب الذين يتجاوب معهم، لكن وهو في ـ بيت تونس للرواية ـ فهو أمين على الرواية التونسية وكتابها، مهما اختلفت مذاهبهم ومشاربهم، من اليمين كانوا أو من اليسار، من الكلاسيكيين أو من المجددين، الأموات منهم والأحياء، يتفق معهم أو يختلف، فالصرح للجميع أحب أم كره.

إن بيت تونس للرواية ليس ملكا لأحد بل هو ملك للشعب، لأنه أسس بنفقة المال العام، ومن حق كل مثقفي البلاد دون إقصاء الظهور فيه، فإذا كان لا يستجيب إلا لرغبة مسيره، فإن من حقنا أن نطالب سلطة الإشراف بإعداد برنامج غير إٌقصائي لا يرضخ للأهواء، ولا إلى تصفية الحسابات مع أي كان، وإذا لم يستطع هذه المشرف أن يغير من اختياراته أهوائه فالأجدر تغييره.
بالنسبة للروائيين التونسيين فإننا لن نحاسب كمال الرياحي، فهذا كان دأبه في برامجه التلفزية الثقافية لكننا نحاسب السيد وزير الشؤون الثقافية الذي عينه، لأنه لا يعني شيئا أن يكون الرياحي له الفضل في بعث هذا الفضاء إذا لم يحسن تسييره، بل على سلطة الإشراف أن تمسك بزمام الأمور وتعدل الكفة حتى لا يزوغ هذا الفضاء عن رسالته النبيلة ويكون بيت تونس للرواية للجميع، للدفع بالمشهد الثقافي نحو الإشعاع في الداخل والخارج.

تعليقات