فيلم قصير

فيلم قصير
 
 
كانَ عندما يعود من البار يقفل مراتيج يومه بِقُفلٍ عربي .
الآن الفيلم قصير لا يحتمل التجريب كثيرا . "رُوتانا" تمرّر صورها الفنيّة وهو أمامها كمن صعقته بارقة كهرباء سرت في كيانه عندما لمحها تغنّي أمام جماهير المسرح . اِنتبه إلى كونه وحيدا في الغرفة . الزّوجة ميّتة تغطّ في نومها المعتاد.
الأطفال في نومهم يحلمون بأمس معاد أو بحركات السّامورايْ.الغرفة ترجع صدى تنفسّه بين أكداس الكتب الفوضويّة.
_اِجعل فوضاكَ بعيدا .الجدران لا تحتمل مثل هذه التصرّفات
هكذا تدحرجت من سقف البيت ظلال سوداء تصدّه كلّ ليلة عن حكايات غير معقولة تتردّد بين حدّودات العجائزوفنطازيا المشايخ المحدثين.
_لا ليست فوضى هذه . هذا نظام غاية في النظام مُقاس بالكوسِ والفرجار.
_ عجيب أمرك يا رجب
_ ما العجب في ذلك ؟ ألأنّي رسمت لك هيكلا وجعلتك تنطق بما يخالجك رميتني بالعجب.
الغاية من هذه الدّخلة وضع الإطار المكاني. المنزل بمجرّة درب الدبّانة في المنظومة الشّمسيّة في الكوكب الأزرق على سواحل المتوسّط بقرية من قرى الفتح العربي.
الأصل لا أدري السحنة فينيقيّة و الشّاهد ما أكتبه الآن .
الآن الفيلم قصير.أصبحت مشهورة تحتل مكانها في "روتانا" تغني وترقص كما لو أنّها تناظره حين أجابها بالرّفض. الرّفض ساعتها حالة الرّفيق وهو يدري أنّه مرفوض.
أقطع وتيرة الكلام مع أشباح الغرفة لأُعدَّ قهوة عربيّة إذ لا يمكن أن أوقظ آمرأتي لعلّها تحلم أيضا كالصّغار بفرح آخر مع فارس آخر في جوٍّ آخر غير هذا الوضع مع رجل مجنون مثلي لا عمل له إلاّ السّهر آخر اللّيل.
 
 
 
وهو ينظر إلى فوران القهوة كانت الفقاقيع تُسمِعُهُ آنفجارات الدّاخل إذ تهمس له في الآذان أن لاشيءَ أروع من العودة إلى الماضي . ذاك الماضي الرّهيب الذّي عاشَ فيهِ ويلات الخصاصة إذ كان يُهوّمُ بين الشّوارع يلتقطُ قواريها المستعملة
كلَّ شيءٍ مستعملٍ الجلود البلاستيك حقق الطّماطم علب السردين الفارغة ....مالا خطر على بال و لاسمع به جان.
و اليوم وهو يحدس حاله آستطاع أن يفقه لغة الأشياءَ الميّتة
إذ رغم مواتها لا تزال تتنفّسُ حياةً أخرى قيامةً أخرى
إذ كلّما جُدّدت وُلدت مرّةً أخرى مثله تماما تُدفن حيّة ثمَّ تقوم.
.....
_إيه القهوة فارت و الفقاقيع أينعت .
حملتُ ماتبقّى منها . كانت اللّطخةُ السّوداء الذّي تركها الفوران أوسع من العادة على سطح الموقد الغازي كأنّها قيءٌ من الحاضر الأسودعلى بياض الورقة.
الجماعة نيامٌ. لا من مُجيب . سوى ظلالهِ التّي تركها تنتظر في الغرفة في فوضويّةٍ عاشقةٍ أحبّها و أحبّتهُ رُبّما جرّبَ الآنَ رقصَ الظّلالِ مع كلماتهِ المهموسةِ مع أحلامه المتحفّزةِ مع الصّمتِ المطبقِ مع زوغانِ عينيهِ في ملكوتِ الماضي قد تنتجُ شيئًا ما . كأن يكتب نصّا مثلاً أو يرقصَ أو يفترش ذاكرتهُ
و يبكي أو يُبحرَ مع رفاقهِ من شُهداءِ المرحلةِ أو يُنبتَ لنفسهِ خانةً تخييليّةٍ لِيسرحَ في الآفاقِ و يُزهرَ على الشّرفاتِ أويختارَ لنفسهِ المشيَ وحيدًا بينَ أزقّةِ القريةِ أو يختارَ لنفسهِ البقاءَ على حافّةِ مزاراتِ المقبرة.....
اِرتشفَ القهوةَ بِبطءِ من وعى موتهُ . كانت الدّقائقُ سائلةً بينَ ظلالِ الغرفةِ. حينَ أفاقتِ آمرأتي من نومها عرفتْ أنّي كنتُ هناكَ !.
قلتُ لكم الفيلمُ قصيرٌ لا يحتملُ التجريبُ أكثر .
كأنّني بين مطرقة وسندان أدخل إلى جحيم الواقع وبآبتسامات عجوز نافرٍ توسدتُ صمتي  ونمتُ .
أطفالي أطفالكم عرفوا الحكاية عندما آنطفأت الأضواء..... الأضواء أخيرا ذباب من مزرعة الكاتب . 

تعليقات