نعم قمنا بثورة ولكن !!!

نعم قمنا بثورة ولكن !!!

بقلم : زهور العربي

حسنا ، سأسلّم واكتب بالبنط العريض أنّنا قمنا بثورة وأنّنا انعتقنا وأنّنا كنّا في جحيم وأضحينا في جنّات النّعيم ، سأنسى أو أتناسى كل الافرازات المرضيّة والبالوعات التي فاضت علينا ولوّثت شوارعنا ومسامعنا وأعيننا ، سأتناسى هذا الخراب الذي نسير اليه بخطى حثيثة ، سأتناسى هذه الأوساخ التي تشوّه وجه الخضراء ، الاوساخ المكوّمة في كلّ الأمكنة سأتناسى هذه الوجوه الكالحة التي لا تخجل وهي تعربد وتتلفّظ بأبشع الكلمات في قلب العاصمة وامام المدارس وفي وسائل النّقل دون احترام المسنين ولا الصغار وهم مع آبائهم حتّى بتنا نتجنّب مرافقة أبناءنا أو التجوّل معهم ،

أجل سأسلّم وأقبل فكرة انّنا قمنا بثورة وأحّدثكم عن الإدارات وما أصابها من هزال ، مؤسساتنا التي تنام في العسل وتتعامل مع المواطن بطريقة أقل ما يقال فيها انّها لا ذوق فيها ولا مسؤوليّة ، الإدارة تسيّبت ولا حسيب ولا رقيب ، ووزارة الصّحّة أوغلت في الاستهتار حتّى باتت الأدوية فاسدة ومقطوعة ، هل من المعقول أن يصل التسيّب ؟الى هذا الحدّ يصل اللعب بأرواح المواطنين ،؟ هل من المعقول أن نظلّ في هذه الدّوامة طيلة ثمانية سنوات ؟ هل من الوطنيّة أن تظلّ هذه البلاد لعبة في يد كمشة من الانتهازين:( سياسيين متحزّبين محتكرين ،منحرفين و موظّفين تملأ الأدارات دون جدوى ولا برامج ولا ضوابط ،) هل من المعقول أن نظل ضحيّة البراكاجات والكلوشارات والمنحرفين الذينوصل بهم الانحراف الى اغتصاب عجائز تناهز اعمارهنّ المائة ؟؟، الى متى سنظلّ في هذه الغيبوبة ، البلاد على كفّ عفريت ،والعفريت نحن من صنعه وسيأكلنا ويخرب هذه البلاد ، وكلّ من يتكلّم غيرة وخوفا ووطنيّة يُتّهم بأنّه زلم من الازلام ،حتّى باتت هذه التّهمة تعلّة لإسكات كلّ صاحب صوت حرّ ، لتتعالى الأصوات المشوّشة، المعرقلة لكلّ بادرة ترتقي بنا قليلا ، فباتت أوضاعنا مزريّة وانتشرت الخصاصة واستفحل الغلاء واصبح هاجسنا الأساسي النفكير والجري وراء هذه الخبزة ، ثورة الجياع أفرزت جياعا وجياعا وجياعا انّها حقّا من المضحكات المبكيات ...

نعم يا سادة سلّمت بأنكم قمتم بثورة وبأنّكم أتيتم بما لم تستطعه الأوائل ، سلّمت بأنّكم فرسان وانّكم خلّصتم البلاد من نيرون زمانه ، والآن وبعد هذه المدّة وهذا الوقت الضّائع ، الى أين نحن ماضون بهذا الوطن ؟ أما آن لنا أن نستفيق من هذه الغيبوبة وننسى عنترياتنا وانجازاتنا العظيمة ؟ونصمت قليلا وننخرط في الفعل والعطاء،ونعمل بالفكر والسّاعد للبناء لتخطّي هذه الكبوات التي شلّت مفاصل الاقتصاد فانزلق الدّينار ، وتراجعنا الى اخر المراتب ، وكثرت الديون وهربت الشركات الاجنبيّة بجلدها ووضع المسؤول العراقيل أمام عديد المستثمرين حتّى قصدوا دولا شقيقة ،كلّ ما أفرزته هذه الثّورة غوغاء وظواهر صوتيّة في السياسة وفي ذلك المجلس الموبوء ، مجلس النّوّاب ، مجلس المسرحيّات والمعارك الطّاحنة والقاء التّهم وتصفية الحسابات وبيع الأصوات والسياحة الحزبيّة ، مثل هؤلاء النّواب يكون الوطن آخر اهتماماتهم ، مجلس نسمع فيه ما لا يليق بتعلّة حرّيّة التّعبير ، مجلس السفسطة والشدّ الى الخلف ...

بالنسبة لي لا يهم من يحكم ، الأهم أن يكون بارّا بهذا الوطن ، أن يخاف على أمنه ، السياسي والغذائي والاجتماعي والاقتصادي لكن هذا لن يتم والايادي مرتعشة والقرارات تحكمها الاهواء والايديولوجيات ،والمنطق السّائد انا ومن بعدي الطّوفان ، منطق الغنيمة لن يصنع اوطانا بل يخربها ويدمّر كلّ مؤسّساتها وتنهار ، ساعتها سنكون كالعراق وسوريا واليمن وليبيا ،فكيف تراجعنا ؟ كيف لم نرتق ولو درجة واحدة عمّا كنّا عليه منذ الثّورة ؟ متى سنستفيق ؟ متى سننهض ونحقق ثورة الوعيّ، نربي هذه الأجيال على حب العمل والنظافة والاخلاق الحسنة والنظافة في اللسان وفي المحيط والتربّص بكل من يريد شرّا بوطننا ، أين الثّورة الثقافيّة وكيف سنقوم بها والمثقّف الحقيقي مغيّب ؟وانشرت العروض الفلكلوريّة الا ما ندر ، كيف نصدّر وجه تونس الثقافي في ظلّ هذه التفاهات والاخوانيات ، كيف نسوّق لتونس ونستقطب اهتمام الآخر ومن يمثّلنا في التظاهرات العربيّة إمّا أسماء استنزفت أو أسماء تمارس السياحة الثقافيّة ، لا تجربة لها ولا انتاج أدبي ولا رسالة وطنيّةوادبية واخلاقيّة تتبنّاها
،
انّ مسؤوليّة وزارة الثقافة كبيرة جدّا وخطيرة والسبب الرئيسي في ما وصلنا اليه من انحدار ،وعليها أن تغيّر من طريقة تعاطيها مع المثقفين وجنود الكلمة الحاملين لرسالة ، علي المسؤولين في وزارة الثقافة أن تكون لهم برامج اصلاحيّة وتشرّك المثقّف وتغيّر من معاملتها له ، وأن تتعامل مع الأديب بما يليق وتستقبله في مؤسساتها بما يليق وتشجّعه بما يليق ,وتشرّكه في مشاريعها فأهل مكّة أدرى بشعابها ، لكن لا أفهم لماذا يحترس المسؤول الثقافي من الأدباء والمفكّرين ، لماذا يتكلّس في أسماء بعينها ويتجاهل باقي المبدعين ، كيف سننهض بهذا المشهد البالي ؟ انّ المبادرات الفرديّة لا تكفي مهما كانت هامّة ،وفي أغلب الأحيان يقتلون هذه المبادرات ويطفئون شعلة العطاء وهي في أوج توهّجها ، انّ وطنا مثقفوه على الهامش لن تقوم له قائمة ، وعلى الوزارة والمسؤولين في المؤسسات الثقافيّة أن يتداركوا الامر ، لأنّه حان الوقت للثورة الثقافيّة التي لم تتم ،

ومهما كان الذي تقوم به هذه المؤسسات فهي في واد والمثقف في أودية أخرى وهواجسه أكبر من أمسية شعريّة بمبلغ بخس ومهين ، هواجس الشّاعر أكبر من هذا الفتات الذي بات مورد رزق عديد الأسماء لكثرة مشاركاتهم فهم لا يغيبون وبعضهم (هنّ) ملح هذه اللقاءات ولا إضافة ولا جديد بمنطق "برّا هكاكا برا هكّاكا" ، واعد هذه المؤسسات الثقافيّة انني لن اسكت بعد الآن ،ولست طامعة في دعوات وامتيازات ، لن اسكت غيرة على هذا الوطن وعلى الصّورة المشينة التي تسوّق لها بعض الشويعرات للمرأة التّونسيّة خارج الوطن وداخله ، لن اسكت ولن أكون وحدي فعديد الأسماء مستاءة وتتذمّر وتلعن هذا الوضع المزري وتؤمن مثلي انّه ما لم ينصلح حالنا الثقافي لن ينتشر الوعي ،ومازلت أسلّم بأننا قمنا بثورة وأخشى أن أكفر بها مكرهة لا بطلة

تعليقات